أرنو إلى الصحراءِ حيث الرمالْ=نامت كأنَّ اللفحَ فيها ظلالْ
يا ليت لي والدهر حالٌ وحالْ=من وقدةِ الإحساسِ بعض الكلالْ
فأقبلِ الدنيا على حالها=مسلِّماً بالغدرِ في آلها
وراضياً عنها بأغلالها=محتملاً وطأة أثقالها
الرُّعْبُ سيّان بها والأمانْ=والحسنُ زادٌ سائغٌ للزمانْ
والوهمُ في حالاتها كالعِيان=والحبُّ والكرهُ بها توأمانْ
وَدِدْتُ لو قلبي كهذي القفارْ=أصمُّ لا يسمع ما في الديارْ
أعمى عن الليل بها والنهارْ=وددتُ لو قلبي كهذي القفارْ
وددتُ لو عنديَ جهلُ الثرى=تَعْمُر أو تقفر هذي البيوتْ
غفلان لا يعنيه أمرٌ جرى=أيُولدَ الحيُّ بها أم يموتْ
وليلةٍ تمضي وأخرى وما=جئتَ فهل ألهاك عني أحدْ؟
ما ضاء من ليلاتنا أظلما=والسبت خَدَّاعٌ بها كالأحدْ
يمتلئُ السطحُ على ضيقهِ=أنا الذي لم أدْرِ طعمَ الحسدْ
وذلك (الجاز) وهذا النغمْ=منتقلاً بين الرضا والألمْ
يحمل لي طيفَ خيالٍ قَدِم=تراه عيني في ثنايا حُلُمْ
في واحةٍ يرسو عليها الغريبْ=فكلُّ ما فيها لديه غريبْ
وهكذا الدنيا خداعٌ عجيبْ=إذا خلت أيامُها من حبيبْ
وهكذا يومٌ ويومٌ سواه=ينكرها القلبُ الصَّبورُ الحمولْ
وهكذا يذهب طِيبُ الحياهُ=بين التمني واعتذار الرسولْ
هنا مِهادُ الحبِّ هل تذكرينْ=وها هنا بالأمس طاب السمرْ
وتلك الأحلامُ الهوى والسنينْ=يحملها التيَّارُ فوق النهرْ
والقمرُ الفضيُّ بين الغيومْ=يخفق كالمنديل عند الوداعْ
يا حسرتا! هل صوّرتهُ الهمومْ=كالزورقِ الغارقِ إلاّ شراعْ
قد جللته غيمةٌ عابرهْ=تسحبُ أذيالَ الأسى والندمْ
وأغرقتهُ موجةٌ غامرهْ=فأطبق الصمتُ وَرَانَ العدمْ
ضممت أضلاعي على نعشِهِ=فلم يزلْ فيها لهاوٍ شعاعْ
لأيّ غورٍ زالَ عن عرشِهِ=وغاص في اللجِّ إلى أيِّ قاعْ
أرثي لحظِّ الأفق وهو الذي=يرمقُني بالنظرة الساخرهْ
وتهرب الأنجمُ هذي وَذي=ويجثم الليلُ على القاهرهْ
ويزحف الكونُ على خاطري=كأنه في مقلة الساهر
سَدٌّ من الرُّعبِ بلا آخرِ=يعبُّ عَبُّ الأبدِ الزاخرِ
وفي ظلالِ الموت موتِ الوجودْ=وخلفَ أطلال البلىِ والهمو
وبين أنفاس الرّدى والخمودْ=وتحت سُحْبٍ عابساتٍ وسودْ
تدفعني عاصفةٌ عاتيهْ=تقصف من خلفي وقُدّامِيَةْ
قد مزّقت روحي وآماليَهْ=وقرّبتْ لي طرَفَ الهاويةْ!
تلمع في الظلمة أحداقُها=قد رحّبَتْ باليأس أعماقُها
شافية النفس وترياقُها=مشتاقةٌ أقبل مشتاقُها
قد كان لي عندك عزُّ الذليلْ=وكان للآمال ومضٌ ضئيلْ
يلمع في ظَنِّي قبل الرحيلْ=فانطفأ النورُ ومات القليلْ
فداك يا جاهلةً ما بيَهْ=قلبي وأنفاسي الظمّاء الحِرارْ
وكيف أنسى ليلتي الداميَهْ=ولهفتي أَلْهَثُ خلف القطارْ؟
وعودتي أجرع كأسَ الحياه=مُعاقِراً سُمَّ الفناءِ البطيءْ
أُنْكِرُ أو أفزعُ ممن أراه=سيان من يذهب أو من يجيءْ
وليلةٍ فاضت بوسواسها=تعجبُ من إلْفَين بين البَشَرْ
ذلك يعدو خلف أنفاسها=وهذه تتبع سير القمرْ
تتبعه بين الرُّبى والشِّعابْ=تتبعه يسري خلال الحسابْ
كم هَلَّلَتْ وهو يضيء الرِّحابْ=والتفتَتْ محسورةً حين عابْ
وذلك الطفل اللهيف الغيورْ=في فَلَكِ من ضوء ليلى يدورْ
يقفو خطاها وهي بين الطيورْ=لها جناحان مراحٌ ونورْ
كزورق يعبرُ بحرَ الوجودْ=له شراعان ولحظٌ شَرُودْ
كم شرّقا أو غرّبا في صعودْ=وارتفعا حتى كأن لن يعودْ
ليلى ارجعي إني شقيٌّ كئيبْ=أهتف مفقودَ الهُدى والقرارْ
يا هاته الأوطان إني غريبْ=وعالمي ليس هنا يا ديارْ!
تركتني وحدي وخلفتني=أرزح تحت المبْكيات الثقالْ
أنكرتِ ميثاقي وأنكرتني=أكُلُّ ماضينا وليد الخيالْ؟
فرغت من أحلامه وانطوى=بِمُرّهِ وارتحتُ من عذبهِ
الأمرُ ما شئتِ فذنب الهوى=على الذي يكفر يوماً بهِ
كان إلى الله سبيلي وما=كان إلى الإيمان دَرْبٌ سواهْ
وكان في جُرح الهوى بلسما=وكان عندي منحة من إلهْ
مهما تكن ناري فإنّ الجحيم=أرأفُ بي من ظلم هذا البعادْ
وربّ همّ مُقْعِدٍ أو مقيمْ=قد لطّفَتْهُ نسماتُ الودادْ
فخفَّتِ النارُ وقرَّ الهشيمْ=وعاودتني الذِّكَرُ الغابرهْ
والنيلُ يجري هادئاً والنَّسيمْ=معربدٌ في الخُصَل الثائرهْ
كم تهتف الأيامُ: خانت فَخُنْ=ويح حياتي إنْ تَخُنْ أمسها
إن هنتُ هذا عهدُها لم يَهُنْ=ولا لياليها وإن تنسها
تُهيب بي الفرصةُ قبل الفواتْ=ويعرض الصَّيدُ فلا أقنصُ
إني امرؤ زادي على الذكرياتْ=وما غلا عنديَ لا يرخصُ
ومطلبٍ في العمر ولَّى وفات=وكان همِّي أنه لا يفوتْ
كأن فجراً ضاحكاً فيّ ماتْ=وملءُ نفسي مغربٌ لا يموتْ
في السّام الحيِّ الذي لا يَبيدْ=والأملِ الطاغي بأن ترجعي
أجدِّدْ العيش وما من جديدْ=وأدّعي السلْوان ما أدّعي!
كم خانني الحظُّ ولا انثني=أقضي زماني كلَّهُ في لعلْ
وتقسم المرآة لي أنني=رَقَعْتُ بالآمالِ ثوبَ الأجلْ
قد فاتني الصيفُ وخان الربيعْ=وكان همّي كلُّه في الخريفْ
وما شَكاتي حين شملي جميعْ=وانت لي أيكٌ وظلٌّ وريفْ
والآن قد مزّق عندي القناعْ=موتُ الأباطيل وزحف الشتاءْ
وبدَّد الوهمَ وفضَّ الخداعْ=بَرْدُ المنايا وشحوبُ الفناءْ
وأَسِفَ القلبُ لكنزي الذي=غَصّتْ به أفئدة الحُسَّدِ
صحوت من وهمي ولا كنز لي=قد صَفِرَتْ منها ومنه يدي
أين زمانٌ مُكتسٍ يومُهُ=بالحبِّ مَوْشِي بحُلْم الغدِ؟
وربما رقَّ زمانٌ قسا=فانعطف الجافي ولان الحديدْ
محقق الآمال أو واعدٌ=بفرحةٍ يوم لقاء وعيدْ
فإن يَعِدْني ثار شكّي به=كأنما وعد الليالي وعيدْ!
وا آسفا هذا سجلٌّ كُتِبْ=خَطَّتْهٌ كفُّ القدَرِ المحتجبْ
ففيم عَوْدِي لقديم الحِقَبْ=وفيم تَسْآليَ عمّا ذهبْ؟
ضاقت بنا مصرُ وضقنا بها=وكلُّ سهلٍ فوقها اليوم ضاقْ
وضاقتِ الدنيا على رحبِها=أين نداماي وأين الرفاقْ؟
كفٌّ تَلُمُّ العمرَ والعُمرُ راحْ=وقبضةٌ تجمع شملَ الرياحْ
لا حَبَبٌ باقٍ ولا ظل راح=ليلٌ تولَّى وتولَّى صباحْ
هذا نهارٌ مات يا للنَّهارْ=كل مساءٍ مصرعٌ وانهيارْ
مال جدارُ النورِ بعد انحدارْ=وغابتِ الشمسُ وراءَ الجدارْ
وذا مساءٌ صبغتْهُ الهمومْ=بلونها القاني وهذي غيومْ
تحوم والظلمةُ فيها تحومْ=تبسط مهداً ليّناً للنجومْ
كأن ثوباً في السماء احتراقْ=فلم يزل حتى استحال الأفقْ
ظلُّ دخانٍ أو بقايا رمقْ=ولمَ يعُد إلاَّ ذيولُ الشفقْ
وتزحف الظلماءُ زحفَ المُغيرْ=حاجبةً ما دونها كالسِّتارْ
وكل حيٍّ وادعٌ أو قريرْ=ما اختلف الشأن ولا الحظّ دارْ
العيشُ أمرٌ تافهٌ والمنونْ=والحكمةُ الكبرى بها كالجنونْ
وهكذا نمضي وتمضي السنونْ=وهكذا دارتْ رحاها الطحونْ
في شَجِّهَا حيناً وفي طَعْنِها=سينقضي العمرُ وأين الفرار؟
وثورةُ الشاكين من طحنِها=نوحُ الشظايا وعتابُ الغُبارْ
أَجلْ إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا=فمصر هي المحرابُ والجنةُ الكبرى
أجل إن ماءَ النيلِ قد مرَّ طعمُه=تناوشه الفتاكُ لم يدعو شبرا
فهلا وقفتم دونها تمنحونها=أكفاً كماء المزنِ تمطرها خيرا
سلاماً شباب النيل في كل موقفٍ=على الدهر يجني المجدَ أو يجلبُ الفخرا
تعالوا فقد حانتْ أمورٌ عظيمةٌ=فلا كان منا غافلٌ يصم العصرا
شبابٌ نزلنا حومةَ المجدِ كلناَ=ومن يغتدي للنصر ينتزعُ النصرا
سلاماً شباب النيل في كل موقفٍ=على الدهر يجني المجدَ أو يجلبُ الفخرا
تعالوا نشيّدْ ملجأ، رب ملجأ=يضم حطامَ البؤسِ والأوجهَ الصفرا
تعالوا فقد حانتْ أمورٌ عظيمةٌ=فلا كان منا غافلٌ يصم العصرا
تعالوا نقلْ للعصب أهلا فإننا=شبابٌ ألفنا الصعبَ والمطلبَ الوعرا
***=***
سلاماً شباب النيل في كل موقفٍ=على الدهر يجني المجدَ أو يجلبُ الفخرا
شبابٌ اذا نامت عيونٌ فإننا=بكرنا بكورَ الطيرِ نستقبل الفجرا
تعالوا نشيّدْ مصنعاً رب مصنعٍ=يدر على صُناعنا المغنمَ الوفرا
شبابٌ نزلنا حومةَ المجدِ كلناَ=ومن يغتدي للنصر ينتزعُ النصرا
تعالوا نشيّدْ ملجأ، رب ملجأ=يضم حطامَ البؤسِ والأوجهَ الصفرا
تعالوا لنمحو الجهلَ والعللَ التي=أحاطتْ بنا كالسيل تغمرُنا غمرا
تعالوا فقد حانتْ أمورٌ عظيمةٌ=فلا كان منا غافلٌ يصم العصرا
تعالوا نقلْ للعصب أهلا فإننا=شبابٌ ألفنا الصعبَ والمطلبَ الوعرا
شبابٌ اذا نامت عيونٌ فإننا=بكرنا بكورَ الطيرِ نستقبل الفجرا
شبابٌ نزلنا حومةَ المجدِ كلناَ=ومن يغتدي للنصر ينتزعُ النصرا
عماد تريسي
10/25/2009, 12:37 AM
أناشدك الهوى هل أنتِ مثلي=نهاري فيكِ أشجانٌ وليلي
زمانٌ لا يفارقني عذابي=ولازمني الشقاءُ به كظلّي
كأن الليلَ أصبح لي مداداً=أسَطر منه آلامي ويُملي
حياتي فيه قفرٌ بعد قفرٍ=وعمري فيه كالأبدِ المُمِلِّ
أبعد جوار هندٍ والأماني=أكابد جيرةَ النجمِ المُطِلِّ
أحبكِ لا أَمَلُّ لقاكِ يوماً=ومن لي بالذي يُدنيكِ من لي؟
أحبكِ لست أدري سرّ حبي=وعلمي فيه أشقاني كجهلي
أقول لعلّ هذا الدهرَ يصفو=ويا أسفاه لو تُغْني لعلِّي
أحاول سلوةً وأرى الليالي=بغيرِ هواكِ لي هيهات تُسلي
عماد تريسي
10/25/2009, 12:37 AM
قلبٌ تقسّم بين الوجدِ والألمِ=هل عند لبنانَ نجوي النيلِ والهرمِ؟
أشكو جوايَ إلى الروحِ التي احتضنتْ=ناري وضَمَّتْ إلى أسقامَها سقمي
وقاسمتني الهوى حتى إذا رحلتْ=ألقت فؤاديْ بضنكٍ غير مقتسمِ
ميثاقُنا أسطرٌ من مدمعٍ ودمٍ=يا طاهر النفحة اذكرْ طاهرَ القَسمِ
يا من أعاتب دهري إذ أودِّعُهُ=وما عتابي على الأقدارِ والقسمِ
إنّ النوى غرَّبتْهُ وهي عالمةٌ=أني رجعتُ أُداري النارَ بالضرمِ
ورنّحتْ بعده خطوي وما عرفت=من عثرة الحظِّ أم من عثرةِ القدمِ
خَلَتْ وران عليها الصمتُ وانقلبتْ=كأنما لَفّها ثوبٌ من العدمِ
بالله أيامَنا هل فيكِ منتَفعٌ=ونحن من سَأمٍ نمشي إلى سَأم؟
وما أُرقِّع ثوباً فيك منخرقاً=لكن أرقِّعُ جُرحاً غيرَ ملتئمِ
عماد تريسي
10/25/2009, 12:38 AM
أنت يا من جعلت روض حياتي=مهدَ وردٍ إليكِ وردكِ رُدّا
آيةُ الورد أنه نفحةٌ منكِ=ومن عطركِ العبيرَ استمدّا
هذه باقةٌ من الورد تجثو=مَلكٌ في الرياض أصبح عبدا
يا جمال الجمال من خلّد الحسن=جميعاً في نظرةٍ منك تَنْدى؟
يا صباح الصباح من يَمْلكُ الأضواء=وصفاً أو الفرائد عَدَّا؟
ليس بدعاً يا وردة العمر أن كانت=لمغناك وردة الروض تُهدى
لا تظني ورداً يكافئ ورداً=أنت أغلى حسناً وأكرم وردا
غير أني وإن عجزت عن التقدير=حاولت ما تمكّنتُ جهدا
باعثاً للوفاء ورداً وللقلب=إلى أعمق السرائر ودّا
وإلى العيد أنت عيدٌ لأيامي=جميعاً أنت الحبيبُ المُفَدّى
عماد تريسي
10/25/2009, 12:39 AM
قالت "لميكي" سِرْ بنا=نمشي لحاجتنا الهُوَيْنى
فأطاع مسروراً كعادته=ولم يسأل لأيْنا
فيم السؤال وكل شيءٍ=طيِّبٌ من أجلها
وبنفسه حبٌّ قُصاراه=الحياةُ بظلها
ماذا تغيّر عزّة=أو ذلّة في حبها
سارت وكلُّ متاعِهِ=في أن يسير بقربها
***=***
يستاف نعلَيْها ويأبي=في الوجودِ مُنافسا
فإذا تخيّل دانياً=من ترْبِها أو لامسا
يختال مِلْءَ نُباحِهِ=زَهْواً ويخطرُ حارسا!
***=***
عجباً له ولزهوه=ما يصنع الواهي الصغيرْ؟
ما يصنع النابُ الضعيفُ=وما يُخيفُ ولا يُجيرْ؟
لكنّ "ميكي" لا يبالي=أن يموت فداءها
في وثبه هيهات يسأل=ما يكون وراءها
الأمرُ كلُّ الأمر أن=يغدو يدافع دونها
والنفس تُنكر في الضحيَّة=عقلها وجنونها
***=***
من ذلك الظلُّ الملازم=في الحياة وفي الطريقْ؟
المخلصُ الوافي إذا=عَزَّ المنادمُ والرفيقْ
من قلبُه صافٍ وديدنُه=الولاءُ المطلقُ
فكأنما فيه الولاء=سجيَّةٌ تتدفقُ
***=***
وإذا أُسِيءَ فإن أسمى=الحبّ أن يُبدي رضاءَهْ
والصفح عند ذوي القلوبِ=البيضِ من قبل الإساءَهْ
مهما نظرت له نظرت=إلى مَعِينٍ من حنان
يُفضي إليك بسره=الذَنَبُ الصغير ومقلتان!
***=***
لا بأس إنْ هند جفت=وقست أليست ربَّتَه؟
أَقْصَتْهُ ثم تلفَّت=ترجو إلَيها أوْبته
زَجَرتْه أو نهرته أو=كفَّتْ على جُرْمٍ يده
فهي التي لم تَنْسَهُ=والأكل ملءُ المائده
وهو الذي في بعدها=لم يألُها طولَ ارتقاب
يقظان ينتظر المآب=وَثَوى يُرَاقبَ خَلْف بَاب
***=***
هند التي اتَّخذته من=دون الخلائق إلْفَها
بحثت عن الإلْف الصغير=فلم تجدْه خلفها
ميكي! وما ميكي ومصرعُه=على الدنيا جديد
نفسٌ يذوب وصرخةٌ=تدوي هنالك من بعيد
وتلفَّتَت هندٌ لموضعه=تغالب وَجْدَها
لا شيءَ. قد سارت=برفقته وترجعُ وحدها
***=***
خرجت به جذلانَ يضحك=مثلما ضحك الصباح
فكأنما خرجت به=ليُلاقيَ القَدَر المُتاح
سارتْ به صبحاً وعادت=بالمواجع والدموع
يغدو الحزينُ على الأسى=وأشقُّ شَطْريْه الرجوع
عماد تريسي
10/25/2009, 12:40 AM
مَلَكي ومحرابي وقد=سَ فؤاديَ المتبتِّلِ
لمن الجمال الفخمُ ير=فُل في الغلائلِ والحُلِي؟!
متألباً في خاطري=متألقاً في المحفلِ
إقبلْ بما ولَّت به الدنيا=وهاتِ وعللِ
وابسط جناحكَ فوق=قلبيْنا الغداة وظلّلِ
طِرْ حيث شئتَ فإن دنتَ=لناظري فتمهلِ
واهاً لهذي الطلعةِ السمراءِ=عند المجتلي
بغلائل الأضواءِ وشَّتْها=رِقاقُ الأنملِ
وشَّت بشاشتُها نضارةُ=وجهك المتهلّلِ
فكأن طفلَ الفجرِ نامَ=على وسادةِ جدولِ
عماد تريسي
10/25/2009, 12:41 AM
غرامكِ لي معبدٌ طاهرٌ=دعائمُهُ شُيِّدتْ من ولوعي
تعهدتُ محرابَه بالوفاء=وأوقدتُ فيه الهوى من شموعي
جوانبُه من دموعيَ قامتْ=وأضلعُه بُنِيتْ من ضلوعي
ومن ذا رأى هيكلاً في الوجودِ=يُقام على عمدٍ من دموعِ؟
إني لأقنع من ظلالِ أحبّتي=بحنان أحتٍ أو بكفّ مسلّمِ
وبجلسةٍ طابت لديّ بغرفة=حملت عبيرَ الغائب المتوسّمِ
يا أخت هندٍ خبّريها أنني=صبٌ يعيش بمهجة المتألمِ
صبٌ سئمتُ من الحياةِ بدونِها=أنا لا أحبُّ إذا أنا لم أسأمِ
ومضى النهارُ ولا نهارَ لأنهُ=يمتدُّ عندي كالفراغ المظلمِ
يا دار هندٍ إن أذنتِ تكلَّمي=يا دارها عيشي لهندٍ وأسلمي
فدمي الفداءُ لحبّ هندٍ وحدها=وأنا المقصِّرُ إن بذلت لها دمي
ولقد حلفت لها ودمعي شاهدٌ=إني فنيتُ علمتِ أم لم تعلمي
عماد تريسي
10/25/2009, 12:41 AM
جدّدي الحبَّ واذكري لي الربيعا=إنني عشت للجمال تبيعا
أشتهي أن يلفَّني ورق الأيكِ=وأثْوي خلف الزهورِ صريعا
آه دُرْ بي على الرِّفاق جميعاً=واجعل الشمل في الربيع جميعا
لا تقل لي أشتر المسرَّة والجاه=فإنِّني حُسنَ الربى لن أبيعا
فلغيري الدنيا وما في حماها=إنني أعشقُ الجمالَ الرفيعا
أنا من أجله عصيتُ وعُدِّبْتُ=وأقسمتُ غيرهَ لن أطيعا
وبطيبِ الربيع أقتاتُ زهراً=وعبيراً ولا أُكابد جوعا
فَهو حسبي زاداً إذا عَفَت الدُّنيا=وأقْوَتْ منازلاً وربوعا
عماد تريسي
10/25/2009, 12:42 AM
يا من طلبتِ الشعرَ هاك تحيّتي=وهواي يا روحي ويا ضوحيّتي
أيُرادُ تفصيلٌ لما عندي وكم=قلبٍ وموجز أمره في لفظة
لكن فنَّ الشعر وردُ أحبة=يُهدى فهاك قصيدتي بل وردتي
والشعر روضٌ يانعٌ وعبيرهُ=سارٍ إلينا من عبير الجنّةِ
وأراكِ روضة رقةٍ ومحاسنٍ=هل روضةٌ تهدي البيان لروضةِ؟
فإليك يا أغلي عزيزٍ يا ابنتي=وأحبَّ من تصبو إليه مهجتي
تذكار والدك المحبِّ وديعةً=فإذا ذكرت فهذه أمنيّتي
والحظُ مثل الرسم إن يوماً نأى=رسمي فللأثرِ العزيز تلفّتي
عماد تريسي
10/25/2009, 12:43 AM
أملٌ ضائعٌ ولبٌّ مشرَّدْ=بين حبٍّ طفى وجُرح تمرّدْ
وضلالٌ مشت إليه الليالي=هاتكاتٍ قناعه فتجرّدْ
وبدا شاحباً كيوم قتيلٍ=لم يكد يلثم الصباحَ المورّدْ
غفر الله وهمها من ليالٍ=صوّرت لي الربيعَ والروض أجردْ
قاسمتني الورقاءُ أحزانَ قلبي=وشجاه وغَرَّدَتْ حين غرّدْ
ثم ولَّتْ والقلبُ كالوتر الدامي=يتيمُ الدموعِ واللحنُ مفردْ
ما بقائي أرى اطِّراد فنائي=وانتهائي في صورةٍ تتجدّدْ
ورثائي وما يفيد رثائي=لأمانٍ شقيةٍ تتبدّد
عبثاً أجمع الذي ضاع منها=والمنايا منِّي ومنها بمرصدْ
وبقائي أبكي على أملٍ بالٍ=وأحنو على جريحٍ موسَّدْ
واحتيالي على الكرى وبجفنيَّ=قتادٌ ولي من الشوك مرقدْ
وشكاتي إلى الدجى وهو مثلي=ضائعٌ صبحهُ ضليلٌ مسهَّدْ
وشخوصي إلى السماء بطرفي=وندائي بها إلى كل فرقدْ
فجعتني الأيامُ فيه فلم يَبْقَ=على الأرض ما يسرُّ ويُحمدْ
ذهبت بالجميل والرائعِ الفخمِ=وطاحت بكل قدسٍ ممجّدْ
مالَ ركنٌ من السماءِ وأمسى=هلهلَ النسج كلُّ صَرحٍ مُمرَّد
ربِّ عفواً لحيرتي وارتيابي=وسؤالٍ في جانحي يتردّدْ
هو همس الشقاء ما هو شك=لا ولا ثورةٌ فعدلك أخلدْ
أين يا رب أين منقبل حيْني=ألتقي مرةً بحلمي الموحّدْ؟
بخليلٍ ما ردَّه كيدُ نمّامٍ=ولم يَثْنِه وشاةٌ وحُسَّدْ
وحبيبٍ إذا تدفَّق إحساسي=جزاني بزاخرٍ ليس ينفدْ
وعناقٍ أُحِسُّه في ضلوعي=دافقاً في الدماءِ كاليمِّ أزبدْ
عماد تريسي
10/25/2009, 12:45 AM
قضيتَ العمر تذكر لي=وأذكر في الهوى جرحكْ
فقم نسخرْ من الأمَلِ=ومن أعماقنا نضحكْ!
وقم نسخرْ من الدنيا=وقم نَلهُ مع اللاهي
طويتُ صحيفة الأمسِ=فَدَعْها في يد اللهِ
هي الدنيا كما كانت=وماذا ينفع الوعظُ
وما عتبت ولا خانت=ولكن خانك الحظُّ
أردنا الجاهَ والذهبا=فلم يتلطّفِ المولى
وهذا العمرُ قد ذهبا=وأحسن ما به ولّى
عماد تريسي
10/25/2009, 12:46 AM
صيرَك الحسن أميرَ الوجودِ=والشعر من درّاته كلّلكْ
مستلهماً منك معاني الخلود=فكل تاجٍ في العلى منك لكْ
فَنَاهِبٌ برقَ الثنايا العذابْ=وسارقٌ ياقوتهً من فمكْ
وكل تغريد الهوى والشبابْ=أغْنيةٌ حامت على مبسمكْ
وذلك الماس الرفيع السنا=والجوهر الغالي الذي صِدْتُهُ
أرفع من فكر الورى مَعْدِنا=وكل فضلي أنني ضُغْتُهُ!
لا فكر لي، عشتُ على فكرتكْ=أقبس ما آقبس من غُرَّتكْ
ودمعتي تقتات من عبرتكْ=فانظر بمرآتي إلى صورتكْ
أشقاني الحبُّ وقلبي سعيدْ=يَعُدُّ هذا الدمع من أنعمكْ
أجزل ما كافأ هذا الشهيدْ=بلوغُه المجد على سُلَّمكْ
لا شيء من يوم النَّوى منقذي=إني امرؤٌ عنك وشيك المسيرْ
وأنت باقٍ والجمال الذي=غنّى به شعري ليومي الأخيرْ
انظر إلى آيات هذا الجمالْ=ترتدُّ عنها عاديات البلى
عاجزةَ الباع ويأبى الزوالْ=لوردةٍ مت عَدْن أن تذبلا
للأنفس الظمأى إليك التفاتْ=ولهفةٌ ملءَ اللّحاظ الجياعْ
ولي التفاتٌ لسريّ الصّفات=واللؤلؤِ اللمّاح خلف القناعْ
قلبي مع الناس وفكري شَرودْ=في عالَمٍ رَحْبٍ بعيد الشِّعابْ
عيني على سرٍّ وراء الوجود=وبغيتي عرشٌ وراء السحابْ!
كم طرت بي واجتزت سور الضبابْ=والضوء ملءُ القلب ملءُ الرحابْ
وعدت بي للأرض أرض السَّرابْ=والليلُ جهمٌ كجناح الغرابْ
أريْتُني الغيبَ الذي لا يُرى=كشفتَ لي ما لا يراء البصرْ
ثم انحدرنا نستشفُّ الثرى=علّ وراءَ التُّرب سرَّ السفرْ
صدري وسادٌ زاخرٌ بالحنانْ=تصوُّري أعجب ما في الزمانْ
موج على لُجَّته خافقان=قَرَّا على أرجوجةٍ من أمانْ
كمركب في البحر يومَ اغتربْ=ما أبعد المحنة بعد اقترابْ
هيهات يُنْجِي من شطوط العذابْ=إلاّ عبابٌ دافقٌ في عبابْ
ملأتُ كأسي وانتظرتُ النديم=فما لساقي الرُّوح لا يُقبلُ
شوقي جحيمٌ وانتظاري جحيم=أقلُّ ما في لفْحِهِ يتقلُ
أنت كريمُ الودِّ حُلوُ الوفاءْ=فما الذي عَاقَكَ هذا المساءْ؟
وما الذي أخَّر هذا اللقاءْ=وحرَّم النبع وصدَّ الظِماءْ؟
أذمّ هذا الوقت في بُطْئِهِ=آخرهُ يعثرُ في بَدْئِهِ
تدقُّ فيه ساعةٌ لا تدورْ=وإن تَدُرْ فهو صراعُ اللغوبْ
رنينها يقلق صمَّ الصدورْ=وطَرْقُها يقرع بابَ القلوبْ
يا ذاهباً لم يشْف مني الغليل=ما أسرع العقربَ عند الرحيلْ
هتفتُ قف لم يبق إلاّ القليلْ=وكلُّ حيٍّ سائرٌ في سبيلْ!
يومٌ تولّى أو ظلامٌ سجا=كلاهما بالقرب منك انتصارْ
أأحمد اليوم تلاه الدُّجى=أم أحمد الليل تلاه النهارْ؟
إنْ نَوَّر النجمُ به مرَّةً=فإن إشراقَكَ لي مرّتانْ
وكيف يُبقي الشكُّ لي حيرةً=ولي على برج المنى نجمتانْ؟
فهذه تلمع في خاطري=مِلءُ دمي إشراقُها والبهاءْ
وهذه تُومِئُ للساهرِ=والليل صافٍ وأديم السماءْ
وهذه تجلو كثيف الغيومْ=وهذه تَدْرَأُ عني الهمومْ
وتَمحق الحزنَ وتَأسُو الكلومْ=فما الذي أَجْرى دموعَ النجومْ؟
هيهات أنسى دُرَّة الأنجمِ=إليَّ من آفاقها ترتمي
وفي جريحٍ أعزلٍ تحتمي=من أي هولٍ؟ هي لم تعلمِ!
إنَّ ضلوعاً تحتمي في ضلوعْ=مقادرٌ ليس بها من رجوعْ
أخلدُ أصفاد الجوى والنزوعْ=هوى الحزاني وعناق الدموعْ
رضيت بالدهر على ما جَنَى=وأُبْتُ بالحكمة بعد الجنونْ
ومرَّ يومي هادئاً ساكنا=وأَيُّ شيءٍ خادع كالسكونْ