هذه مناظرة بين الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه مع أحد الرافضة وتوجد منها نسختان: النسخة الأولى نسخة تركيا في خزانة شهيد علي باشا باستنبول ضمن مجموع رقمه 2764 حوى عدة رسائل في العقيدة والحديث هذه الرسالة الحادية عشرة منه. النسخة الثانية نسخة الظاهرية وقد وقعت ضمن مجاميعها في المجموع رقم 111 وهي الرسالة التاسعة عشر منه.
نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
رب اعن
حدثنا الشيخ الفقيه أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سعيد الأنصاري البخاري - قراءة عليه بمكة حرسها الله سنة خمس وثلاثين وأربعمائة قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن مسافر قال أخبرنا أبو بكر بن خلف بن عمر بن خلف الهمذاني قال حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أزمة قال: حدثنا أبو الحسن بن علي الطنافسي قال : حدثنا خلف بن محمد القطواني قال : حدثنا علي بن صالح قال : جاء رجل من الرافضة إلى جعفر بن محمد الصادق كرم الله وجهه ، فقال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد عليه السلام فقال الرجل :
1- يابن رسول الله من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقال جعفر الصادق رحمة الله عليه : أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
2- قال : وما الحجة في ذلك ؟
قال : قوله عز وجل (( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن 'ن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها )){التوبة 40} فمن يكون أفضل من اثنين الله ثالثهما ؟ وهل يكون أحد أفضل من أبي بكر إلا النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
3- قال له الرافضي : فإن علي بن أبي طالب عليه السلام بات على فراش النبي صلى الله عليه وسلم غير جزع ولا فزع .
فقال له جعفر : وكذلك أبو بكر كان مع النبي صلى الله عليه وسلم غير جزع ولا فزع .
4- قال له الرحل : فإن الله تعالى يقول بخلاف ما تقول !.
قال له جعفر : وما قال ؟
قال : قال الله تعالى (( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا )) فلم يكن ذلك الجزع خوفاً ؟ (في نسخة الظاهرية " أفلم يكن.."
قال له جعفر : لا ! لأن الحزن غير الجزع والفزع ، كان حزن أبي بكر أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يدان بدين الله فكان حزن على دين الله وعلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن حزنه على نفسه كيف وقد ألسعته أكثر من مئة حريش فما قال : حس ولا ناف!
5- قال الرافضي : فإن الله تعالى قال (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )){المائدة 55} نزل في علي بن أبي طالب حين تصدق بخاتمه وهو راكع فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((الحمد لله الذي جعلها في وفي أهل بيتي ))
فقال له جعفر : الآية التي قبلها في السورة أعظم منها ، قال الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه )){المائدة 54} وكان الارتداد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ارتدت العرب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واجتمعت الكفار بنهاوند وقالوا : الرجل الذين كانوا يتنصرون به - يعنون النبي - قد مات ، حتى قال عمر رضي الله عنه: اقبل منهم الصلاة ، ودع لهم الزكاة ، فقال : لو منعوني عقالا مما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ولو اجتمع علي عدد الحجر والمدر والشوك والشجر والجن ولإنس لقاتلتهم وحدي . وكانت هذه الآية أفضل لأبي بكر.
6- قال له الرافضي : فإن الله تعالى قال : (( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية)) نزلت في علي عليه السلام كان معه أربعة دنانير فأنفق ديناراً بالليل وديناراً بالنهار وديناراً سراً وديناراً علانية فنزلت فيه هذه الآية .
فقال له جعفر عليه السلام : لأبي بكر رضي الله عنه أفضل من هذه في القرآن ، قال الله تعالى (( والليل إذا يغشى )) قسم الله ، ((والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى فأما من أعطى وأتقى وصدق بالحسنى )) أبو بكر (( فسنيسره لليسرى)) أبو بكر (( وسيجنبها الأتقى )) أبو بكر (( الذي يؤتي ماله يتزكى )) أبو بكر ((وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى )) أبو بكر ، أنفق ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين ألفاً حتى تجلل بالعباء ، فهبط جبريل عليه السلام فقال الله العلي الأعلى يقرئك السلام ، ويقول : اقرأ على أبي بكر مني السلام ، وقل له أراض أنت عني في فقرك هذا ، أم ساخط ؟ فقال : أسخط على ربي عز وجل ؟! أنا عن ربي راض ، أنا عن ربي راض ، أنا عن ربي راض . ووعده الله أن يرضيه.
7- قال الرافضي : فإن الله تعالى يقول (( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله )) { التوبة 19} نزلت في علي عليه السلام .
فقال له جعفر عليه السلام : لأبي بكر مثلها في القرآن ، قال الله تعالى (( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى )){ الحديد 10}
وكان أبو بكر أول من أنفق ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأول من قاتل ، وأول من جاهد . وقد جاء المشركون فضربوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى دمي ، وبلغ أبي بكر الخبر فأقبل يعدو في طرق مكة يقول : ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ، وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؟ فتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخذوا أبا بكر فضربوه ، حتى ما تبين أنفه من وجهه.
وكان أول من جاهد في الله ، وأول من قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من أنفق ماله ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما نفعني مال كمال أبي بكر )).
8- قال الرافضي فإن علياً لم يشرك بالله طرفة عين .
قال له جعفر : فإن الله أثنى على أبي بكر ثناءً يغني عن كل شئ ،قال الله تعالى (( والذي جاء بالصدق )) محمد صلى الله عليه وسلم ، ((وصدق به )){الزمر33} أبو بكر .
وكلهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم كذبت وقال أبو بكر : صدقت ، فنزلت فيه هذه الآية : آية التصديق خاصة ، فهو التقي النقي المرضي الرضي ، العدل المعدل الوفي .
9- قال الرافضي : فإن حب علي فرض في كتاب الله ؛ قال الله تعالى (( قل لا أسألكم عليه إلا المودة في القربى ))
قال جعفر : لأبي بكر مثلها ، قال الله تعالى (( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا انك غفور رحيم )){الحشر10}
فأبو بكر هو السابق بالإيمان ، فالاستغفار له واجب ومحبته فرض وبغضه كفر .
10- قال الرافضي : فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما ))
قال له جعفر : لأبي بكر عند الله أفضل من ذلك ؛ حدثني أب عن جدي عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وليس عنده غيري ، إذ طلع أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( يا علي هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابهما -في الظاهرية شبابهم- فيما مضى من سالف الدهر في الأولين وما بقي في غابره من الآخرين ، إلا النبيين والمرسلين .لا تخبرهما يا علي ما داما حيين)) فما أخبرت به أحداً حتى ماتا.
11- قال الرافضي : فأيهما أفضل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم عائشة بنت أبي بكر ؟
فقال جعفر : بسم الله الرحمن الرحيم ((يس والقرآن الحكيم )) ، (( حم والكتاب المبين ))،
فقال : أسألك أيهما أفضل فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم أم عائشة بنت أبي بكر ، تقرأ القرآن ؟!
فقال له جعفر : عائشة بنت أبي بكر زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في الجنة ، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة .
الطاعن على زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعنه الله ، والباغض لابنة رسول الله خذله الله .
12- فقال الرافضي : عائشة قاتلت علياً ، وهي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقال به جعفر : نعم ، ويلك قال الله تعالى (( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله )) {الأحزاب 53}
13- قال له الرافضي : توجد خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي في القرآن ؟
قال نعم ، وفي التوراة والإنجيل .قال الله تعالى ((وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات )) {الأنعام165}
وقال تعالى (( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض )){النمل62}
وقال تعالى ((ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم)){النور55}
14- قال الرافضي : يابن رسول الله ، فأين خلافتهم في التوراة والإنجيل ؟
قال له جعفر : ((محمد رسول الله والذين معه )) أبو بكر ، ((أشداء على الكفار )) عمر بن الخطاب ، (( رحماء بينهم )) عثمان بن عفان ، ((تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً )) علي بن أبي طالب (( سيماهم في وجوههم من أثر السجود )) أصحاب محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، (( ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل )).
قال : ما معنى في التوراة والإنجيل ؟ قال : محمد رسول الله والخلفاء من بعده أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، ثم لكزه في صدره ! ، قال : ويلك ! قال الله تعالى (( كزرع أخرج شطأه فآزره )) أبو بكر (( فأستغلظ )) عمر ((فاستوى على سوقه)) عثمان ((يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار )) علي بن أبي طالب ((وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً )) أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم ، ويلك !، حدثني أبي عن جدي عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر ، ويعطيني الله من الكرامة ما لم يعط نبي قبلي ، ثم ينادي قرّب الخلفاء من بعدك فأقول : يا رب ومن الخلفاء ؟ فيقول : عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق ، فأول من ينشق عنه الأرض بعدي أبو بكر ، فيوقف بين يدي الله ، فيحاسب حساباً يسيراً ، فيكسى حلتين خضراوتين ثم يوقف أمام العرش .
ثم ينادي منادٍ أين عمر بن الخطاب ؟ فيجئ عمر وأوداجه تشخب دماً فيقول من فعل بك هذا ؟ فيقول : عبد المغيرة بن شعبة ، فيوقف بين يدي الله ويحاسب حساباً يسيراً ويكسى حلتين خضراوتين ، ويوقف أمام العرش .
ثم يؤتى عثمان بن عفان وأوداجه تشخب دماً فيقال من فعل بك هذا ؟ فيقول : فلان بن فلان ، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً ويكسى حلتين خضراوتين ، ثم يوقف أمام العرش .
ثم يدعى علي بن أبي طالب فيأتي وأوداجه تشخب دماً فيقال من فعل بك هذا ؟ فيقول : عبدالرحمن بن ملجم ، فيوقف بين يدي الله ويحاسب حساباً يسيراً ويكسى حلتين خضراوتين ، ويوقف أمام العرش.
قال الرجل : يابن رسول الله ، هذا في القرآن ؟ قال نعم قال الله تعالى (( وجئ بالنبيين والشهداء)) أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ((وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ))
فقال الرافضي : يابن رسول الله ، أيقبل الله توبتي مما كنت عليه من التفريق بين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ؟
قال : نعم ، باب التوبة مفتوح فأكثر من الاستغفار لهم .أما انك لو مت وأنت مخالفهم مت على غير فطرة الإسلام وكانت حسناتك مثل أعمال الكفار هباءً منثوراً .
فتاب الرجل ورجع عن مقالته وأناب
كان رضي الله عنه يقول: أربع لا ينبغي لشريف، أن يأنف منها قيامه من مجلسه لأبيه وخدمته لضيفه، وقيامه على دابته، ولو أن له مائة عبد وخدمته لمن يتعلم منه، وكان رضي الله عنه يقول: لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال أن تصغره إذا صنعته، وتستره وتعجله، وذلك لأنك إذا صغرته عظم، وإذا سترته أتممته، وإذا عجلته هنيته،. وكان رضي الله عنه يقول: إذا أقبلت الدنيا على إنسان أعطته محاسن غيره، لماذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه، وكان يقول: إذا بلغك عن أخيك ما تكرهه، فاطلب له من عذر واحد إلى سبعين عذراً، فإن لم تجد له عذراً فقل: لعل له عذراً لا أعرفه.
ودخل عليه الثوري رضي الله عنه فرأى عليه جبة من خز، فقال له: إنكم من بيت نبوة تلبسون هذا؟ فقال: ما تدري أدخل يدك فماذا تحته مسح من شعر خشن، ثم قال: يا ثوري، أرني ما تحت جبتك، فوجد تحتها قميصاً أرق من بياض البيض، فخجل سفيان، ثم قال: يا ثوري لا تكثر الدخول علينا تضرنا ونضرك. ودخل عليه أبو حنيفة رضي الله عنه، فقال يا أبا حنيفة: بلغني أنك تقيس، لا تفعل فإن أول من قاس إبليس، وكان رضي الله عنه يقول: إذا سمعتم عن مسلمة كلمة، فاحملوها على أحسن ما تجدون، حتى لا تجدوا لها محملاً فلوموا أنفسكم، وكان رضي الله عنه يقول: لا تكلوا من يد جاعت ثم شبعت، وقال لرجل من قبيلة: من سيد هذه القبيلة فقال الرجل: أنا فقال: لو كنت سيدهم، ما قلت أنا. وكان يقول: إذا أذنبت فاستغفر فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال. قبل أن يخلقوا وإن الهلاك كل الهلاك الإصرار عليها، وكان رضي الله عنه، إذا احتاج إلى شيء قال: يا رباه أنا محتاج إلى كذا، فما يستتم دعاءه إلا وذلك الشيء بجنبه موضوعاً. توفي رضي الله عنه، بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة، وكان رضي الله عنه، يقول: من استبطأ رزقه؛ فليكثر من الإستغفار، وكان رضي الله عنه، يقول: من أعجب بشيء من أموالهم وأراد بقاءه، فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وكان يلبس الجبة الغليظة القصيرة من الصوف على جسده، والحلة من الخز على ظاهره، ويقول: نلبس الجبة لله، والخز لكم، فما كان لله أخفيناه. وما كان لكم أبديناه.
وكان رضي الله عنه يقول: أوحى الله إلى الدنيا أن اخدمي من خدمني وأتعبي من خدمك. وكان يقول: الفقهاء أمناء الرسل ما لم يأتوا أبواب السلاطين. وكان يقول: اللهم ارزقني مواساة من قترت عليه رزقك، وكل ما أنا فيه من فضلك
رضي الله تعالى عنه .