منى الفخرانى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منى الفخرانى

روحانيات وتصوف اسلامى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ابن عطاء الله السكندري..

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 798
تاريخ التسجيل : 30/03/2013

ابن عطاء الله السكندري.. Empty
مُساهمةموضوع: ابن عطاء الله السكندري..   ابن عطاء الله السكندري.. Emptyالسبت سبتمبر 14, 2013 5:20 pm

ابن عطاء الله السكندري...

صاحب الحكم والمصنفات والفيوضات الروحية

د. عمار علي حسن



واسطة عقد بين قطبين كبيرين، وأحد كبار مؤسسي التجربة الصوفية المصرية، ناظَر ابن تيمية، فكان بليغ البيان، قوي الحجة. برع في صياغة الحكمة وصناعتها، وكانت مناجاته لله سبحانه وتعالى فيوضات روحية، تلهج بها قلوب الذاكرين، إلى أيامنا تلك، وهي تحمل من القيم والمعاني والتجلّيات ما يضمن لها أن تبقى على ألسنة المريدين قروناً طويلة.

هو أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عيسى بن عطاء الله السكندري، ينتسب إلى قبيلة جدام التي قدمت إلى مصر عقب الفتح الإسلامي وقطنت الإسكندرية.

ولد سنة 1260 هـ، وتلقى منذ نعومة أظافره العلوم الشرعية واللغوية، وكان مشروع فقيه كبير ينكر على المتصوفة الكثير من أفكارهم وممارساتهم، لكن حياته تغيرت وسارت في الطريق المغاير بعدما التقى شيخه وأستاذه أبو العباس المرسي، الذي ترك في قلبه وعقله علامة لا تمحى، عندما صار من طليعة مريديه.

كان جد ابن عطاء لوالده فقيها كبيراً، أخذ عنه حفيده الكثير، ثم راح يتدرّج في العلم، لاسيما بعد انتقاله من العداء للصوفية إلى الانغماس فيها، وكان نابهاً تقياً، فتنبأ له المرسي بأن يكون له باع طويل في مسيرة التصوف، فقال له يوما: «الزم، فوالله لئن لزمت لتكونن مُفتياً في الْمذهبين»، قاصداً بذلك مذهب «أتباع الشريعة» و{أصحاب العلم اللدني» من الصوفية. وقد تحقق ذلك فعلاً إذ صار ابن عطاء أحد أركَان الطريقة الشاذلية الصوفية التي أسسها الشيخ أبو الحسن الشاذلي عام 1248 وخَلِيفتُه أبو العبَاس المرسي عام 1287. وقد أصبح السكندري أستاذاً يؤخذ عنه ويتتلمذ المريدون عليه، ومنهم أعلام مثل ابن المبلق السكندري و تَقي الدين السبكي شيخ الشَافعية.

كتب ومصنفات

ترك السكندري الكثير من الكتب والمصنفات، بعضه طمره النسيان وضاع، وبعضه بقي شاهداً على فلسفة صاحبه وتقواه. من بين هذه الكتب «لطائف المنن» الذي أفرده في سرد مناقب الشيخين أبي العباس المرسي وأبي الحسن الشاذلي وشرحها، «القصد المجرّد في معرفة الاسم المفرد»، «عنوان التوفيق»، «تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس»، «مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح»، لكن أهمها وأخلدها «الحكم العطائية»، التي انتشرت وذاعت وترجمت إلى اللغات الأجنبية وكتبت الشروح لها. وقد انكب عليها العلماء قديماً وحديثاً وجعلوها منطلقاً لدروسهم التي تشدّ إليها الناس بنورانيتها وإشراقاتها، وما زال بعضها يدرّس في كليات جامعة الأزهر إلى اليوم، لكن، للأسف القليل منها مطبوع فيما تاه أغلبها على رفوف المكتبات العامة والخاصة، ينتظر من يحققه ويقدمه إلى الناس المتعطشين إلى ما يغذي الروح، ويجعل النفس تهيم عشقاً بالله تعالى.

ومن بين هذه الحكم المتداولة:

- أرح نفسك من التدبير فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك.

- تشَوُّفُك إلى ما بَطُنَ فيك من العيوب خيرٌ مِن تشوُّفِك إلى ما حُجِبَ عنك من العيوب.

- من علامات الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل.

- الحقُّ ليسَ بمحجوب، وإنما المحجوب أنتَ عن النظرِ إليه، إذ لو حَجبهُ شيءٌ لستره ما يحجبه، ولو كان له ساترٌ لكان لوجوده حاصر، وكلُّ حاصرٍ لشيءٍ فهو له قاهرٌ.

- إذا لم تُحْسِن ظنَّكَ به، لأجل حُسنِ وصْفِه، فَحَسِّن ظنَّك بهِ لأجل معاملته معك، فهل عَوَّدَكَ إلاَّ حسنًا؟ وهل أسدى إليك إلاَّ مِنَنًا؟

ـ لا تطلب منه أن يخرجك من حال ليستعملك في ما سواه فلو أرادك لاستعملك من غير إخراج.

- خَفْ من وجودِ إحسانهِ إليك، ودوامِ إساءتِك معهُ أنْ يكون ذلك استدراجًا لك.

- من علامات موت القلب عدمُ الحزنِ على ما فاتك من الموافقات، وترك الندم على ما فعلتَهُ من وجود الزلاَّت.

- لا يعظُمُ الذنبُ عندك عظمةً تصدُّك عن حسنِ الظنِّ بالله تعالى، فإنَّ مَن عرفَ ربَّهُ استصغرَ في جنبِ كرمِهِ ذنبَه.

- أصل كل معصية وشهوة الرضا عن النفس وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا منك عنها، ولأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه فأي علم لعالم يرضى عن نفسه؟

- اجتهادُك فيما ضُمِنَ لك، وتقصيرُك فيما طُلِبَ منك، دليلٌ على انطِماسِ البصيرةِ منك.
- ما نفَعَ القلبَ شيءٌ مثل عُزلةٍ, يدخلُ بها ميدان فكرة.

- ما قلّ عمل برز من قلب زاهد ولا كثر عمل برز من قلب راغب.

- ما بَسَقتْ أغصانُ ذلٍّ إلاَّ على بذرِ طمَع.

- مَن لم يشكر النِعمَ فقد تعرَّضَ لزوالها، ومن شكرها فقد قيَّدها بعِقالها.

- مَن رأيتَهُ مُجيبًا عن كلِّ ما سُئلَ، ومُعبِّرًا عن كلِّ ما شهِد، وذاكِرًا كلَّ ما علِم، فاستدل بذلك على وجودِ جهلِه.

- لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلّك على الله مقاله.

- لا صغيرة إذا قابلك عدله ولا كبيرة إذا واجهك فضله.

- لا عمل أرجى للقبول من عمل يغيب عنك شهوده ويحتقر عندك وجوده.

- متى أطلق لسانك بالطلب فاعلم أنه يريد أن يعطيك.

- ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وربما قضى عليك بالذنب فكان سبباً في الوصول.

- العطاء من الخلق حرمان والمنع من الله إحسان.

- متى أوحشك من خلقه فاعلم أنه يريد أن يفتح لك باب الأنس به.

- الأنوار مطايا القلوب والأسرار.

- أنت حرّ مما أنت عنه آيس وعبد لما أنت له طامع.

- ربّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكبارا.

كان السكندري يناجي ربه بدعوات ومناشدات صافية راقية، تعدّ قطعاً من الأدب الصوفي الرفيع، ومنها تلك المناجاة التي تقول:

إلـهي: كلما أخرسني لؤمي أنطقني كرمك؟ كلما أيستني أوصافي أطمعتني مننك..

إلـهي: هذا ذلي ظاهر بين يديك، وهذا حالي لا يخفى عليك، منك أطلب الوصول إليك، وبك أستدلّ عليك, إهدني بنورك إليك، وأقمني بصدق العبودية بين يديك..

إلـهي: علّمني من علمك المخزون, وصنّي بسر اسمك المصون, بك أنتصر فانصرني، وعليك أتوكل فلا تكلني، وإياك أسأل فلا تخيّبني، وفي فضلك أرغب فلا تحرمني، ولجنابك أنتسب فلا تبعدني، وببابي أقف فلا تطردني..

إلـهي: أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتى عرفوك ووجدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبابك حتى لم يحبوا سواك، ولم يلجئوا إلى غيرك .

إلـهي: كيف يرجى سواك، وأنت ما قطعت الإحسان؟ وكيف يطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة الامتنان؟ يا من أذاق أحباءه حلاوة مؤانسته فقاموا بين يديه متملقين، ويا من ألبس أولياءه ملابس هيبته فقاموا بعزته مستعزين أنت الذاكر من قبل الذاكرين، وأنت البادئ بالإحسان من قبل توجه العابدين، وأنت الجواد بالعطاء من قبل طلب الطالبين، وأنت الوهاب ثم أنت لما وهبتنا من المستعرضين..

المناظرة مع ابن تيمية

من الأمور التي يدوم ذكرها للسكندري، هي تلك المناظرة التي انعقدت بينه وبين الفقيه الكبير والشهير ابن تيمية، والتي نقلها ابن كثير وابن الأثير. يقال إن ابن تيمية كان منفياً بالاسكندرية، ثم عفا عنه السلطان فجاء إلى القاهرة وذهب ليصلي المغرب بالأزهر خلف السكندري، الذي فوجئ به، فهنأه بسلامة الوصول وقال له:

- أعاتب أنت عليّ يا فقيه؟

فقال ابن تيمية:

- أعرف أنك ما تعمدت إيذائي ولكنه الخلاف في الرأي على أن كل من آذاني فهو منذ اليوم في حلّ مني.

فسأله ابن عطاء الله:

ماذا تعرف عني؟

- أعرف عنك الورع، وغزارة العلم، وحدّة الذهن، وصدق القول، وأشهد أني ما رأيت مثلك في مصر ولا في الشام حباً لله، أو فناء فيه، أو انصياعاً لأوامره ونواهيه، ولكنه الخلاف في الرأي، فماذا تعرف عني أنت هل تدعي عليّ بالضلال إذ أنكرت الاستغاثة بغير الله؟

فقال ابن عطاء الله له:

- أما آن لك يا فقيه أن تعرف أن الاستغاثة هي الوسيلة والشفاعة وأن الرسول يُستغاث به ويُتوسل به ويُستشفع به؟ فقال ابن تيمية: أنا في هذا أتبع السنّة الشريفة، فقد جاء في الحديث الصحيح « أعطيت الشفاعة « وقد أجمعت الآثار في تفسير الآية الكريمة: «عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً»، على أن المقام المحمود هو الشفاعة والرسول صلى الله عليه وسلم لما ماتت أم سيدنا علي رضي الله عنهما دعا لها الله على قبرها: «الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ووسّع مدخلها بحق نبيّك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين»، فهذه هي الشفاعة، أما الاستغاثة ففيها شبهة الشرك بالله تعالى، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلّم ابن عمه عبد الله بن العباس ألا يستعين بغير الله.

فقال له ابن عطاء الله:

- أصلحك الله يا فقيه، أما نصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس فقد أراد منه أن يتقرب إلى الله بعلمه لا بقرابته من الرسول، وأما فهمك أن الاستغاثة استغاثة بغير الله فهي شرك، فمن من المسلمين الذين يؤمنون بالله ورسوله يحسب أن غيره تعالى يقضي ويقدّر ويثيب ويعاقب، فما هي إلا ألفاظ لا تؤخذ على ظاهرها، ولا خوف من الشرك لنسد إليه الذريعة، فكل من استغاث الرسول فهو إنما يستشفع به عند الله مثلما تقول أنت: أشبعني هذا الطعام، فهل الطعام هو الذي أشبعك؟ أم الله عز وجل هو الذي أشبعك بالطعام؟ وأما قولك إن الله عزّ وجلّ نهانا أن ندعو غيره، فهل رأيت من المسلمين أحداً يدعو غير الله؟ إنما نزلت هذه الآية في المشركين الذين كانوا يدعون آلهتهم من دون الله، إنما يستغيث المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى التوسل بحقه عند الله، والتشفع بما رزقه الله من شفاعة. أما تحريمك الاستغاثة لأنها ذريعة إلى الشرك فإنك كمن أفتى بتحريم العنب لأنه ذريعة إلى الخمر، أو نخصي الذكور غير المتزوجين سداً للذريعة إلى الزنا.

وضحك الشيخان، ثم قال ابن عطاء الله:

- أنا أعلم ما في مذهب شيخكم الإمام أحمد من سعة، وما لنظرك الفقهي من إحاطة وسدّ الذرائع. ويتعين على من هو في مثل حذقك وحدّة ذهنك وعلمك باللغة أن يبحث عن المعاني المكنونة الخفية وراء ظاهر الكلمات، فالمعنى الصوفي روح، والكلمة جسد، فاستقصِ ما وراء الجسد، لتدرك حقيقة الروح .

وتذّكر ابن عطاء آراء ابن تيمية في محيى الدين بن عربي والشاذلي، فقال له:

ـ إنك اعتمدت في حكمك على ابن عربي نصوصاً قد دسّها عليه خصومه، أما سلطان العلماء العزّ بن عبد السلام، فإنه لما فهم كتابات الشيخ وحلّ رموزها وأسرارها وأدرك إيحاءاتها، استغفر الله عما سلف منه وأقرّ بأن ابن عربي إمام من أئمة الإسلام. وأما كلام الشاذلي ضد ابن عربي فليس أبو الحسن هو الذي قاله بل أحد تلامذته من الشاذلية، وهو لم يقله في الشيخ ابن عربي بل قاله في بعض المريدين الذين فهموا كلامه على غير وجه.

ثم سأله ابن عطاء الله:

- ما رأيك في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟

فأجاب ابن تيمية:

ـ يقول النبي صلى الله عليه وسلم «أنا مدينة العلم وعلي بابها} وهو المجاهد الذي لم يبارز أحداً إلا وغلبه، فمن للعلماء والفقهاء من بعده أن يجاهدوا في سبيل الله باللسان والقلم والسيف جميعاً. وكان رضي الله عنه أقضى الصحابة وكلماته سراج منير.

فقال ابن عطاء الله: فهل يُسأل علي عن بعض من شايعوه فقالوا إن جبريل أخطأ فجاء بالرسالة محمداً صلى الله عليه وسلم بدلاً من علي؟ أو عن الذين زعموا أن الله حلّ في جسده فصار الإمام إلهاً؟ ألم يقاتلهم ويقتلهم أما أفتى بقتلهم أينما ثقفوا؟

فقال ابن تيمية:

- خرجت لقتالهم في الجبل بالشام منذ أكثر من عشرة أعوام.

واستمر ابن عطاء الله يسأل ابن تيمية عما فعله بعض أتباعه من كبس الدور، وإراقة الخمور، وضرب المغنيات والراقصات، واعتراض الناس في الطرقات باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم قال له:

- الشيخ محيى الدين بن عربي بريء مما يصنعه أتباعه من إسقاط التكاليف الدينية واقتراف المحرمات أترى هذا؟

فقال ابن تيمية:

- ولكن أين تذهبون من الله وفيكم من يزعم أنه صلى الله عليه وسلّم بشّر الفقراء بأنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء، فسقط الفقراء منجذبين ومزّقوا ملابسهم وعندئذ نزل سيدنا جبريل وقال للنبي إن الله تعالى يطلب حظه من هذه المزق، فحمل جبريل واحدة منها وعلّقها على عرشه تعالى ولهذا يلبس الصوفية المرقعات ويسمون أنفسهم الفقراء.

فقال ابن عطاء الله:

- ما كل الصوفية يلبسون الخرق وهذا أنا أمامك فما تنكر من هيئتي؟

فقال ابن تيمية:

- أنت من رجال الشريعة وصاحب حلقة في الأزهر.

فرد ابن عطاء:

- والغزالي كان إماماً في الشريعة والتصوف على السواء، وقد عالج الأحكام والسنن والشريعة بروح المتصوف، وبهذا المنهج استطاع إحياء علوم الدين. نحن نعلّم الصوفية أن القذارة ليست من الدين، وأن النظافة من الإيمان، وأن الصوفي الصادق يجب أن يعمّر قلبه بالإيمان الذي عرفه أهل السنة، ولقد ظهر بين الصوفية منذ قرنين من الزمان أشياء كالتي تنكرها الآن واستخفوا بأداء العبادات واستهانوا بالصوم والصلاة وركضوا في ميدان الغفلات … وادعوا أنهم تحرروا من رق الأغلال، ثم لم يركضوا بما تعاطوه من سوء الأفعال حتى أشاروا إلى أغلى الحقائق والأحوال، كما وصفهم القشيري الإمام الصوفي العظيم، فوجّه إليهم الرسالة القشيرية ترسم طريق الصوفي إلى الله وهي تمسكه بالكتاب والسنة.

إن أئمة الصوفية يريدون الوصول إلى الحقيقة ليس فقط بالأدلة العقلية التي تقبل العكس بل بصفاء القلب ورياضة النفس وطرح الهموم الدنيوية، فلا ينشغل العبد بغير حب الله ورسوله، وهذا الانشغال السامي يجعله عبداً صالحاً جديراً بعمارة الأرض، وإصلاح ما أفسده حبّ المال والحرص على الجاه والجهاد في سبيل الله..

إن الأخذ بظاهر المعنى يوقع في الغلط أحياناً يا فقيه ومن هذا رأيك في ابن عربي رحمه الله وهو إمام ورع من أئمة الدين، فقد فهمت ما كتبه على ظاهره، والصوفية أصحاب إشارات وشطحات روحية، ولكلماتهم أسرار.

فقال ابن تيمية:

ـ هذا الكلام عليك لا لك، فالقشيري لما رأى أتباعه يضلون الطريق قام عليهم ليصلحهم، فماذا فعل شيوخ الصوفية في زماننا؟ إنما أريد من الصوفية أن يسيروا على سنّة هذا السلف العظيم من زهاد الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، إني أقدر منهم من يفعل ذلك وأراه من أئمة الدين. أما الابتداع، وإدخال أفكار الوثنيين من فلاسفة اليونان وبوذية الهند كادعاء الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ونحو ذلك مما يدعو إليه صاحبك فهذا هو الكفر المبين .

فقال ابن عطاء:

ـ ابن عربي كان من أكبر فقهاء الظاهر بعد ابن حزم الفقيه الأندلسي المقرب إليكم يا معشر الحنابلة. كان ابن عربي ظاهرياً ولكنه يسلك إلى الحقيقة طريق الباطن، أي تطهير الباطن وليس كل أهل الباطن سواء، ولكيلا تضلّ أو تنسى أعد قراءة ابن عربي بفهم جديد لرموزه وإيحاءاته تجده مثل القشيري قد اتخذ طريقة إلى التصوف في ظل ظليل من الكتاب والسنة. إنه مثل حجة الإسلام الشيخ الغزالي، يحمل على الخلافات المذهبية في العقائد والعبادات ويعتبرها انشغالات بما لا جدوى منه، ويدعو إلى أن محبة الله هي طريقة العابد في الإيمان، فماذا تنكر من هذا يا فقيه؟ أم أنك تحبّ الجدل الذي يمزّق أهل الفقه؟ لقد كان الإمام مالك يحذر من الجدل في العقائد ويقول: «كلما جاء رجل أجدل من رجل نقص الدين». قال الغزالي: «اعلم أن الساعي إلى الله تعالى لينال قربه هو القلب دون البدن، ولست أعني بالقلب اللحم المحسوس بل هو سر من أسرار الله عزّ وجلّ لا يدركه الحس».

أهل السنّة هم الذين لقبوا الغزالي – شيخ المتصوفة – بحجة الإسلام ولا معقّب على آرائه، فقد غالى بعضهم في تقدير كتابه إحياء علوم الدين فقال: «كاد الإحياء أن يكون قرآناً».

أداء التكاليف الشرعية في رأي ابن عربي وابن الفارض عبادة محرابها الباطن لا شعائر ظاهرية فما جدوى قيامك وقعودك في الصلاة إذا كنت مشغول القلب بغير الله. مدح الله عز وجل أقواماً بقوله تعالى: «الذين هم في صلاتهم خاشعون» وذم أقواماً بقوله تعالى: «الذين هم عن صلاتهم ساهون» وهذا الذي يعنيه ابن عربي بقوله: «إن التعبد محرابه القلب أي الباطن لا الظاهر»، المسلم لا يستطيع الوصول إلى إدراك علم اليقين وعين اليقين إلا إذا أفرغ قلبه مما يشوش عليه من أطماع الحياة الدنيا وركز في التأمل الباطني، فغمرته فيوض الحقيقة، ومن هنا تنبع قوته، فالصوفي الحق ليس هو الذي يستجدي قوته ويتكفف الناس وإنما هو الصادق الذي يهب روحه وقلبه ويفنى في الله بطاعة الله، ومن هنا تنبع قوته فلا يخالف غير الله، ولعل ابن عربي قد ثار عليه بعض الفقهاء لأنه أزرى على اهتمامهم بالجدل في العقائد مما يشوش على صفاء القلب ثم في وقوع الفقه وافتراضاته فأسماهم: فقهاء الحيض. أعيذك بالله أن تكون منهم ألم تقرأ قول ابن عربي:

«من يبني إيمانه بالبراهين والاستدلالات فقط لا يمكن الوثوق بإيمانه فهو يتأثر بالاعتراضات فاليقين لا يستنبط بأدلة العقل إنما يغترف من أعماق القلب. ألم تقرأ هذا الكلام الصافي العذب قط؟}

قال ابن تيمية:

ـ أحسنت والله إن كان صاحبك كما تقول وهو أبعد الناس عن الكفر ولكن كلامه لا يحمل هذه المعاني في ما أرى.

فقال ابن عطاء:

ـ إن له لغة خاصة وهي مليئة بالإشارات والرموز والإيحاءات والأسرار والشطحات، ولكن فلنشتغل بما هو أجدى وبما يحقق مصلحة الأمة، فلنشتغل بدفع الظلم وحماية العدل المنتهك. أرأيت ما فعله الفاسقان بيبرس وسلار بالرعية منذ خلع الناصر نفسه فانفردا بالحكم، وإن عاد السلطان الناصر وهو يؤثرك على كل الفقهاء ويستمع لك فأسرع إليه وانصح له .

تُوفي ابن عطاء الله ودفن بالقَاهرةِ عَام 1309 وما زال قَبره مَوجوداً إلى الآن في جبَانة علي أبو الوفاء تحت جبل المُقطمِ، من الجهةِ الْشرقية لجبَانة الإمام الليث.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrefaee.ahlamontada.com
 
ابن عطاء الله السكندري..
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» لا اله الا الله
» فضائل لا اله الا الله
» البرهتيه: بسم الله
» قصائد في حب الله ولا احلي ..قصائد في حب الله ولا احلي ..
» محب الله فى الدنيا عليلٌ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منى الفخرانى :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: