أبيت أرعى نجوم الليل في الظلم = لم تغمض العين من وجدي ولم تنم
أبيت ليلي أناجي الشهب مرتقباً = ضوء الصباح كملسوع من الصمم
والقلب ما زال خفّاقاً ومضطرباً = مما احتوى من عظيم الشوق والألم
والعين تذرف بالدمع الغزير أسى = من لوعة الوجد يحكي فائض الديم
يا قلب مالك طول الدهر مضطرباً = لم تستفق وإذا قيل استفق تهم
رميتني عامداً قصداً بلا سبب = هل ينبغي الرمي للأحباب بالحمم
رفقاً على دنف رفقاً على كلف = من الصبابة والأشواق في سقم
سقم الصبابة في قلبي له ضرم = أواه من لوعة الأشواق والضرم
ليت الحرارة من قلبي قد انطفأت = ياليتها أصبحت كالمورد الشبم
أبيت ليلي من الأشواق في قلق = والقلب يخفق من شجواه كالعلم
وجدد الوجد والأشواق مذ نظرت = عيناي برقاً بدا في الليل من إضم
تذكر القلب والذكرى مهيجة = أهل الحجون وأهل البان والعلم
وبات ليلاً يعاني حر لوعته = وفي عناء من الأشجان والسدم
وحالة الصب لا تخفى على أحد = فالعين شكرى وقد فاضت بمنسجم
وكيف يستر حباً غير مستتر = هيهات ليس بمخفي ومكتتم
يا عاذلاً جاء باسم النصح يعذلني = كأنه غير ذي عذل ومتهم
رويدك العذل لا يثني الفتى أبداً = عن حبه فانكفف عنه ولا تلم
لو كنت تعرف أسرار المحبة ما = عذلته فدع الأسرار للفهم
والحب سر به نفسي لقد علقت = وما بلغت لعمري حلم محتلم
والنفس إن أصبحت في الحب مولعة = فلا ترم كبح حب النفس باللجم
لا تترك النفس مألوفاً لها أبداً = وإن يكن يصم الإنسان أو يصم
والنفس أمارة بالسوء إن جمحت = رمتك في حمأة أو مأزق وخم
كالخيل إن روضت سارت بصاحبها = هوناً وإن أهملت بالغير تصطدم
ياويح نفسي إذ صارت مفرطة = في جنب رب الورى ذي الفضل والنعم
في لجة اللهو والآثام سابحة = وقد أتت أقبح الأفعال والجرم
لم تتعظ بنذير جاء ينذرها = من حادثات ومن بؤس ومن سقم
يكفي لها واعظاً حادي المنون لها = فقد حداها وكم في الأرض من رمم
دعي مسايرة الأهواء وانتبهي = إن الهوى كاسمه من أعظم الوصم
إلى متى أنت عن أخراك معرضة = فبادري العمر قبل الموت والهرم
فقد أضعت زماناً ماله ثمن = والعمر أنفس مافي الكون من قيم
جريت شوطاً إلى شيء يسوء غداً = في عنفوان الصبا مشياً على قدم
يا خيبة المرء إن ضاعت شبيبته = في اللهو واللغو والأوزار واللمم
أجل أما كل خير في شبيبته = يرجى له حين يرمي دابر السأم
نعم الشبيبة إن أمست ترافق من = يسعى إلى الخير سعي الجاهد النهم
أكرم بمن لسبيل الرشد يحفزه = شبابه الغض يبدي أطيب الكلم
إن الشباب إذا مافات في عبث = وجوده أيها المغرور كالعدم
فاغنم شبابك من قبل المشيب تفز = إن الشباب شبيه الظل لم يدم
وصف نفسك واجهد في طهارتها = لكي تطيق على الأعتاب والجشم
وخف إلهك وانشر فضل نعمته = واقلع عن الذنب واظهر آهة الندم
استغفر الله ياذا الفضل مغفرة = يا غافر الذنب غفراً ذنب مجترم
بسيد الخلق شمس الحق معتصمي = محمد خير معصوم ومعتصم
له فررت حبيب الله حجته = ومصدر الفضل والعرفان والكرم
أصل الوجود وروح الكون بهجته = زين الشمائل والآداب والشيم
مطهر الأرض من رجس ومن درن = من عابدي وثن من عابدي صنم
لله من منقذ الإنسان من سقر = خير البرية من عرب ومن عجم
لولاه ما سارت الركبان عن طرب = إلى مدينته الغراء والحرم
أسمى الورى فطرة أعلاهم نسباً = أرقى الخليقة في قدس وفي العظم
أصوله طهر المولى عقائدهم = طهراً جرى سابقاً من سالف القدم
كرامة وامتيازاً للحبيب = عليه الله صلى عظيم الشان والهمم
من أسعد الكون إسعاداً وطهره = وسن أعظم ماقد سن من نظم
أتى لنا بكتاب الله معجزة = يهدي إلى الرشد كم يحلو بكل فم
وجاء يقرؤه باسم الرشاد = على الوجود من كان ذا سمع وذا صمم
سبت عقول بني الإنسان لهجته = لا يستطيع لعمري وصفها قلمي
تفجرت منه أنهار الفصاحة = والبيان والعلم والآداب والحكم
كلامه معجز الله ميزه = وهديه خير هدي للناس كلهم
قد خصه الله بالتقدير قدره = في سابق العلم قد والاه بالنعم
فكل فضل فمن فضل النبي وقل = ماشئت في فضل رب التاج والشمم
تعاظمت أشرقت أرجاء ساحته = بنوره في نواحي الأرض كالنجم
لله ماناله المختار من شرف = مقامه الفذ لم يدرك ولم يرم
أثنى الإله على أخلاقه وأتى = في سورة النون في الفرقان والقلم
يكفي القرآن ثناء في شمائله = لله ما جاء في القرآن من قسم
لله من قسم ماناله أحد = لا فخر أرفع من هذا لدى الأمم
وقد دعا أمم الدنيا بأجمعها = وكان ذلك بعد الرعي للغنم
أخلاقه قط لم يظفر بها بشر = رتل شمائله الحسناء بالنغم
أزكى البرية أخلاقاً وأنبلهم = قصداً وأوفاهم بالعهد والذمم
يسدي النوال بلا من يكدره = يحنو على الناس من صحب ومن حشم
وأزهد الخلق في الدنيا وزهرتها = حول الملذات والزينات لم يحم
لم يمتليء جوفه والله من شبع = وساده حشوه ليف من الأدم
والمال وافاه لكن كان ينفقه = على المقلين من ذي الجوع والعدم
قد ارتضى بحياة الكد عن رغب = من يحذ حذو حياة الطهر يتسم
فكان ميلاده للناس مفخرة = أبان مولده الأسمى عن العظم
فكم غرائب كم من حادث عمم = كسرى رأى ما انجلى من أكبر الجسم
وكيف يرتج إيوان له عمد = وقد مضى وانقضى في الوقت كالحلم
وقدرة الله إن حلت على شرف = دكته دكاً وهدت شامخ الأطم
وأطفئت نار أهل الشرك أطفأها = الرحمن لما عدت مشتدة الحدم
وساء ساوة قد سدت منابعه = فارتاعت الفرس من ذا الخارق العمم
وأيقنت أن أمر الملك منصرم = عنها فباتت تحيل الفكر في غمم
وكان ذلك إرهاصاً لدعوة من = قد عمه الله بالآلاء والعصم
وانقضت الشهب في الجن الذين لهم = نحو السماء صعود ليس بالكتم
طاحت مقاعدهم للسمع فارتعدوا = من ثاقب الشهب حاصوا حيصة النعم
كرامة لرسول الله قد ظهرت = هذي البشارات كانت مبدأ النعم
دعا إلى الله وسط العداة بلا = خوف وأظهره المولى على الخصم
لله من دعوة عظمى لها الأثر = الكبير لله من ذي دعوة قدم
قد أسمعت كل ذي سمع وذي صمم = حتى ربى قاع كل الأرض والقمم
والله يعصمه الله يحرسه = جبريل يخدمه من جملة الخدم
فأخرج الناس من ليل الظلام إلى = النور المبين الذي يهدي إلى اللقم
وفاز بالنجح إذ كانت دعايته = بحكمة فحلا تردادها بفم
وقد رعته عنايات مقدرة = والحمد لله ربي باريء النسم
سلهم لماذا اجتمعتم حول منزله = عن التزام ولم توفوا بملتزم
حاولتم الفتك لكن خاب سعيكم = وأصبح الشمل منكم غير ملتئم
وسار "طه" وما أغنى تجمهركم = ولم يكن أحد منكم بمنتقم
ونام في الفرش فرش المصطفى بطل = زوج البتول "علي" بذ كل كمي
وطاردوه فلم يلفوا له أثراً = وغار ثور بنسج العنكبوت حمي
في الغار أحمد والصديق قد مكثا = ويمما بلد الأنصار عن رغم
فقوبلا بحفاوات وتكرمة = من معشر بصنوف الخير مزدحم
أكرم بهم وبمن قد فارقوا قدماً = أوطانهم رغبة في فضل ربهم
حب الرسول بقلب الصب ممتزج = بكل جزء سرى في لحمه ودم
وقوله كله دين ومنفعة = في كل مبتدء منه ومختتم
يا أجود الخلق من يسقي بطلعته = صوب الغمام فيزهو النبت في الأكم
أتيتنا بكتاب جل منزله = سبحانه منشيء الإنسان من عدم
يفنى الزمان ولا تفنى عجائبه = تفجر العلم من آذيه العرم
فيه الهدى ولأصناف العلوم حوى = يجري بموج من العرفان ملتطم
بفضل أصحابك الأبطال قد جمعت = آياته وغدت مرعية الحرم
أرضاهم الله مولانا برحمته = قد ألفت آي مولانا بفضلهم
الله أنزله للناس تبصرة = لاريب فيه يقي من زلة القدم
يشفي الصدور وينجي كل معتصم = به ويذهب كل الضيق والسأم
وقد أقر العدا إقرار معترف = بالعجز من غير تحكيم ولا حكم
والإنس والجن لم يقدر مصاقعهم = يأتون بالمثل-قلب القادحين عمي
يشوق الناس تشويقاً ويندبهم = إلى الجنان مع الهادي نبيهم
وتطمئن قلوب المؤمنين به = يجلو صداها كلام الله ربهم
وهو الشفيع لقاريه شفاعته = غداً تنال يقود الناس بالخطم
والمصطفى ترك القرآن واعظنا = أشد آي لديه قوله "استقم"
ما فرط الله شيئاً جل خالقنا = في الذكر سبحان مبدي الخلق من عدم
هو الأمان هو الحرز المكين لنا = فاقصد إليه بصدق العقد واستلم
لقد سريت من البيت الحرام إلى = القدس المبارك في وقت من الغسم
على البراق وقد تم المسير به = للقدس بشرى ل"طه" خير مغتنم
هناك ألفيت رسل الله واقفة = فجئتهم قادماً في مظهر فخم
وقد تقدمت للمحراب فانتظمت = صفوفهم مثل در بان منتظم
صلوا وراءك والأفراح تغمرهم = لأن نورهم من نورك التمم
قد ارتقيت إلى السبع الطباق على = المعراج أكرم سريع الخط والرسم
مازاغ قلبك يا ثبت الجنان لدى = تكليم ربك ذي الإفضال والكرم
رأيت آياته الكبرى التي بهرت = عيناك أعطاك فضلاً غير مقتسم
وقد حباك تعالى بالصلاة فطب = بقرة العين قد فزنا على الأمم
رسمت للناس دستوراً تكفل ب = الفلاح فهو بربي خير مرتسم
يساير العصر في أدوار نهضته = يدعو إلى وحدة الأفكار والسلم
أيدت بالرعب من رب الورى كرماً = يلقاك كل العدا في موكب سنم
عصابة الشرك قد حارت من ال = قمر المنشق وهو دواماً غير منقسم
وكم رأت مدهشات منه واضحة = ما قد رأته جلياً غير منبهم
لكنها نفرت عن دينه حسداً = كنافر الطير أو حمر من النعم
أدى الرسالة روح الكون كاملة = وقد مشى للوغى بالصارم الخذم
ضحى بما عز من نفس ومن نشب = بكل بشر بثغر منه مبتسم
وخصه الله بالأصحاب خير فدا = ئيين في كل إقدام ومصطدم
بهم أقام رسول الله ملته = لولا مجاهدة الأصحاب لم تقم
من كل معتزم بالحزم متسم = بالصدق ملتهم نحو العدا قرم
ينقض كالباز في الهيجاء مختطفاً = بسيفه كل باغ غير محتكم
أسد كماة مغاوير ذوو فطن = كم من ذوي الزيغ قد ألقوه في الرجم
يسترخصون المنايا لا يهولهم = ورودهم مورد الأهوال والقحم
وكيف لا ورسول الله يقدمهم = في ساحة الحرب يأتي كل مضطرم
لابدع في ذاك إن جادوا بأنفسهم = قصد الدفاع عن الهادي ودينهم
إن الوطيس إذا ما صار مشتعلاً = لاذوا به كلواذ الأسد بالأجم
والمصطفى أشجع الشجعان أثبتهم = في الحرب مهما يكن ذاك الوطيس حمي
فزاد إيمان أصحاب الرسول به = يستصبحون بنور المصطفى الفهم
شهود طلعة "طه" نعمة عظمت = قدراً وشاناً وكانت أفضل النعم
لله ماناله المختار من شرف = مقامه الفذ لم يدرك ولم يرم
أثنى الإله على أخلاقه وأتى = في سورة النون في الفرقان والقلم
يكفي القرآن ثناء في شمائله = لله ما جاء في القرآن من قسم
لله من قسم ماناله أحد = لا فخر أرفع من هذا لدى الأمم
وكان ثوبان ذا وجه له شغف = بحبه دمعه يجري بمنسجم
قال الرسول له : مالي أراك كذا = فقال : شوقا لوجه منك مبتسم
إني ذكرتك في سري وفي علني = ففاض دمعي وحبي غير مكتتم
فهل أراك بجنات الخلود أجب = نعم يكون بفضل الله ذي الكرم
وفي القرآن دليل واضح فأطع = مولاك والمصطفى كن خير مغتنم
إني سليلك عبدالله ياسندي = من أقربائك يا"طه" ذوي الرحم
لي ذمة بانتمائي ياسنا أملي = فصل فقد جئت تدعو وصل ذي اللحم
وسيلتي لك قد قدمتها نسبي = فراعه وانتسابي غير منخرم
وهذه نفثات قلتها كلفاً = سلكت منهج من بالمكرمات نمي
إن فاز بالبرء مذ وافتك بردته = فهل تجود ببرء للفتى العرم
أمرت بالود للقربى وها أنذا = منهم فجد لي بود غير منصرم
أجزت كعباً ببرد منك ياوزري = فامنن ببرد وقل للمدنف استلم
اكسني ببرد الرضا يا خير من خلع ال = برود من كل ما ينجي من الألم
لك الشفاعة والجاه العريض فقم = حقق لي السول واصلح حال منعدم
حاشاك تهمل من يرجوك يا سندي = فلم يخب كل من يرجوك لم يضم
ونرتجي كل رضوان لمن جمع ال = حديث من كل حبر فيك معتزم
مثل البخاري من عزت مكانته = أعزز به من صحيح بالفخار سمي
لقد تلوناه يا كنز التقى عجلاً = باسم الإغاثة فاكشف مخلب الأزم
واحدب على أمة الإسلام من كثب = فإنها تشتكي من حالها الوخم
قد مسها الضر والأحداث قد فتكت = بها فكم من بنيها بالنكال رمي
فأنت في الجدب غيث صيب هتن = فسل من الله زرع الزارعين ظمي
زاد الغلاء وعز القوت هل نظر = سل المهيمن يجلي حادث القتم
تبعثر الفكر لما حل ساحتنا = طلائع الجدب في البلدان والخيم
كم هاجرت من جموع من مواطننا = من أجل جدب شديد بان مقتحم
فاشفع فإن رجاء الناس منعقد = عليك يا ربنا انزل وابل الديم
بجاه أحمد حقق ما نؤمله = يامصطفى اسمح بوجه منك مبتسم
وقد سرى الحقد في أبناء ملتنا = كماسرى البدر في داج من الظلم
انظر لنا ولهم في كل نازلة = وسل مولاك عفواً واسع الكرم
يا سيد الرسل جد لي خذ بنا صيتي = للخير إنك مقصودي ومعتصمي
فاشفع لنسلك يا خير الورى كرماً = فكم قذى في العين سيدي كم ألم
أشكو من البث كم في القلب من شجن = سل الإله صلاحاً منه يستقم
فعطفة لحليف الحزن عاجلة = ياصفوة الله فكري غير ملتئم
سل الإله جلاء الحزن في عجل = وفي حباء عظيم غير منصرم
قد ضاق ذرعاً وقد ضاق الفضاء به = عطفاً عليه بجود غير منفعم
ومر حيالك ياطه لألثمه = متى ارى وجهك الوضاء في الحلم
ذنبي عظيم فسل للذنب مغفرة = والله يعفو عن الزلات والإثم
مطالبي يا رسول الله وافرة = في جنب جاهك لم أطلب سوى أمم
أريد في كل ضيق سيدي فرجاً = ومخرجاً ففؤادي في هواك غمي
يا رب عجل بما نرجوه من فرج = واحفظ إلهي وجنبنا أذى النقم
وهب لنا منك نسلاً بعد يخلفنا = لا تجعل العبد يمضي مثل ذي العقم
وعافنا جد بعفو منك يشملنا = واختم بخير بمحض الجود والكرم
وأعظم الأجر وارزقنا بلا كدر = وأيد الكل في بدء ومختتم
ثم الصلاة على الهادي بلا عدد = مدى الزمان لطه مرشد الأمم
والآل والصحب والأتباع قاطبة = ماغنت الورق فوق الأيك بالنغم
والحمد لله حمداً دائماً أبداً = على المواهب والإحسان والنعم