أمِنْ حَنِيْـنُكَ للأحباب ِ في الخِيَم ِ = أراك َ ذِبْتَ كمثل الثلج ِ في الحِمَــم ِ
أم من ولوعك بالبطحاء والحجر ِ = هبَّت دموعُكَ مثل الوردِ في النَّسَم ِ
ومِنْ غرامك بالجرعاءِ والطلل ِ = قتلت نفسَكَ مِنْ شوق ٍ لذي سَلَم ِ
ويَذْبل الجسم ُ من تذكارهم ْ فَتُرَى = عظام ُ ضلعك َ من وجد ٍ ومن سقم ِ
يا سائلا ً عن معاني الحُبِّ خذ خبري = أُوتِيْت َ سؤُلَك َ إنّي فيْه ِ كالحَكَــم ِ
خمرٌ يُدارُ وكأس ٌ ليس يشربُها = إلا فتى ً جَلَّ عن إثم ٍ وعن تُهَم ِ
أُخْفي هوايَ وهذا الدّمْعُ يفضَحُني = واحرَّ قـَلْـب ٍ سرى كالنُّور ِ في الظلم ِ
لا طِيْبَ يعدِلُ تلكَ الدّار يا ولدي = فإنها أُمُّ وجدي ، أَمَّــــــها قلــــــمي
نعمْ يَحِنُّ فؤادي للحِجَازِ فَهَلْ = لي زَوْرَة ُ الطُّهْر ِ خير ِ العُرْب ِ والعجم ِ
وزورة ُ الكعبَة ِ الغرَّاء مَنْ شَرُفَتْ = بأهْل ِ عُرْب ِ النَّقا مَنْ ودِّهم بدمي
أرض ٌ ملائِكَة ُ الرَّحْمن ِ تعشقُها = بكى لفَقْد ِ ثراها الرُّوْحُ في القِدَم ِ
إنِّي إذا ما ذََكَـَـرْت ُ الجِذْعَ والجبل = غدوت ُ جار الأسى والحُزن ِ والألم ِ
ولي حديث ٌ من الأدواء بلسم رو = حي ، والذي فَطَرَ الأكوان ِ رِيُّ ظمي
يا سعْدُ إنْ جئتَ سلعا سَلْ أحِبّتنا = هل شاهدوا مضغتي في البان ِ والعلم ِ
مالي أنوحُ كمثلِ الطيرِ إن ذُكِرتْ = لديّ كعْبَة َ حُسْن ٍ مُلْتقى الأُمــم ِ
ومال ُ عيس ُ ابنُ عيسى لا تَــقِرُّ سوى = برؤيَةِ المصطفى الهادي من العَتَم ِ
والله ِ لولا الهوى والوجد يا سندي = ما سحَّ قلبِيَ شَعْرا ً جـــا على قدم ِ
استغفرُ الله َ من ذنبي ومن كلمي = فاقبلْ إلهي فهذا الدمْـــعُ من ندمي
واجمعْ شتات الورى من أهلِ ملّتنا = يا واسع َ الجود والإحسان والنّعم ِ
واكس ِ الذنوب َ بعفو ٍ منك يشملنا = فكلنا فـُقـَـرا للعفو والكَــــرم ِ
ها قد خَتمت ُ وأمّا الحبُّ ليسَ لـــه ُ = حــدٌّ فيعِرب َ عنْه ُ ناطق ٌ بفمي
صلى عليك إلهي سيدي وعلى = آل ٍ وصحب ٍ ببدء النَّظم ِ والختم
(( بردة باكثير))
يا نجمة الأملِ المغشيِّ بالألمِ = كوني دليليَ في محلولكِ الظُلمِ
في ليلة من ليالي القُرِّ حالكةٍ= صخَّابةٍ بصدى الأرياحِ والدَّيَمِ
دُجىً تتالى كأمواجِ المحيطِ بها= عقلي وقلبي وطرفي كلُّ ذاك عمي
أكادُ أرتابُ في نفسي فأٌنكرها =لولا مسيسيَ جسمي غيرَ مُتَّهمِ
في نفنفٍ هائلٍ جمٍّ مزالقُه =رهنُ الحياةِ به في زلَّةِ القدمِ
على طريق كحدِّ السَّيفِ مسلكُها =هولٌ، وحيْديَ عنها الموتُ من أمَمِ
فأشرقي وأنيري لي السبيل فما =لي غيرَ نوركِ من منجى ومعتصمِ
أنتِ الحياةُ، ولولا أنتِ ما أتسعتْ = مضايقُ العيشِ بين الهمِّ والسَّقمِ
تلوِّحين لمن ضاقت مذاهبُه = وأوشك اليأسُ يلقيه إلى الرَّجمِ
أنْ هذه نوبةٌ في الحالِ زائلةٌ = ودون بضعِ خُطىً ما رمتَه، فقُمِ
والوهنُ أمتنُ أسبابِ الحياة، له =آثارُه في سرور الناسِ والألمِ
يا ويحَ قلبي بجنبي لا هدوءَ له =يجيشُ بالهمِّ كالبركانِ بالحممِ
يئِنُّ من ثِقَلِ الآمالِ تَبهَظُهُ = إنَّ الهمومَ رسالاتٌ من الهِمَمِ
أرنو إلى (يعربٍ) والدَّهرُ يعرضُها = روايةَ البُؤسِ بعدَ العِزِّ والنَّعَمِ
تقاسمتها شعوبُ الغربِ، تدفعُها = إلى المهالِكِ سوقَ الشاءِ والنَّعَمِ
وأرمقُ (الدينَ) والأعداءُ توسِعُهُ =فتكاً يُضافُ إلى أدوائِهِ القُسُمُ
يُكادُ في دارِهِ ظُهرَ النَّهارِ على = مرأى العمائمِ من أهليهِ والحُمُمِ
وأَرجِعُ الطَّرفَ في (الأحقافِ) غارقةً = في الجهلِ فوضى بلا عدلٍ ولا نُظُمِ
تفنَّنتْ في ملاذِ العيشِ تاركةً =ما تقتضيه، فلم تُفطرْ ولم تَصُمِ
والخُلفُ محتكمٌ فيها يمزِّقُها =حتَّى يغادرَها لحماً على وضَمِ
كيف القرارُ على حالٍ يذوبُ لها =قلبُ الكريمِ ويجري دمعُهُ بدمِ
يا ليتَ شِعري أللعلياءِ من سببٍ = ألفيهِ يقذفني منها إلى القِمَمِ؟
شوقي إليها وعجزي عن تسلُّقِها = يُعذِّباني عذابَ الويلِ والضَّرمِ
والحُبُّ يُقصِرُ من خطوي وهل عرفتْ =معبودةُ الحُبّ مثلي عابداً صنمي
أوفى وأقومَ في هجر وفي صِلةٍ =منِّي بحفظِ عُهودِ الحُبِّ والذِّمَمِ ؟
بُليتُ فيه بخطبٍ لا عزاءَ له =إلا اللقاءُ بدارِ الخُلدٍ والسَّلَمِ
ولن يزالَ وطيسُ الحُبِّ في كبدي =يرمي بذي شررٍ كالقصرِ مُضطرِمِ
وما الحياةُ بلا حُبٍّ سوى جَفَفٍ =عن فطرةِ اللهِ أو ضربٌ من العدمِ
*****
في التحذير من هوى النفس
ويحَ الشَّبابِ وقد ندَّتْ أوائِلُهُ =والحوضُ دوني وإنِّي لا أزالُ ظمي
خمسٌ وعشرون لم أُدركْ بها غرضاً =مرَّتْ عليَّ مُرورَ الطَّيفِ في الحُلُمِ
يا ويلتاهُ أأبغي أن أسودَ إذا =ولَّى الشَّبابُ وما فيه من العَرَمِ ؟
هيهات هيهات إنَّ الشَّيبَ مجبنةٌ =تصُدُّ عمَّا يريدُ المجدُ من قُحَمِ
إنَّ الشَّبابَ بُراقُ المجدِ يركبُهُ =إليه كلُّ فتى شيحانَ مُعتزِمِ
فما وقوفُكَ مشدوهاً تردَّدُ ما =بين النُّكوصِ على الأعقابِ والقُدُمِ ؟
وقد بدا لك نورُ اللهِ مُتَّقِداً =يوم الوقوفِ أمامَ الواحِدِ الحَكَمِ
حيثُ الجموعُ خُشوعٌ يلجأون إلى=مولاهُمُ بدموعِ التَّوبِ والنَّدمِ
وشاهدتْ عيناكَ ذي البطحاءَ زاخرةً =بالذكرياتِ (لطه) سيِّدِ الأُمَمِ
فاجمعْ متاعَكَ واركبْ ظهرَ سابحةٍ =هولٍ تسيرُ بلا رحلٍ ولا لُجُمِ
تجري فتُبصرُ بالأشياءِ مُدبرةً =كأنَّ مُنهزِماً في إثرِ مُنهزِمِ
كأنَّما امتلأتْ بالغيظِ فانطلقتْ =تنفُّساً عن شُواظٍ منه محتدمِ
أنبتْ (ويخلُقُ ما لا تعلمون) بها = وغيرِها من بناتِ العلمِ من قِدَمِ
تطوي البلادَ كما مرَّ المؤرِّخُ في =لمحٍ - بمُختلِفِ الأعصارِ والأُمَمِ
حتى إذا وجدتْ عيناكَ نفسَكَ في =ربوع (طيبةَ) ذاتِ المنهلِ الشَّبِمِ
فيمِّمِ (المسجدَ الميمونَ) في أدبِ =بقلبِ مدَّكِرٍ في ثغرِ مُبتَسِمِ
في مدح النبي صلى الله عليه وسلم
واعمدْ إلى (الرَّوضَةِ) الغنَّا فحيِّ بها =خيرَ الخلائِقِ من عُربٍ ومن عجَمِ
قُلِ السَّلامُ على فخرِ الوجودِ، على =خيرِ النَّبيينَ، طهَ المُفرَدِ العلَمِ
واستجلِ سيرتَه قُدَّامَ روضتِهِ =ترَ الكمالَ بلا زيغٍ ولا وَهَمِ
هناك حيث يقوم الشَّوقُ في خجلٍ =لدى الجلالِ جلالِ المجدِ والكرمِ
تُبدي وَلوعَكَ؟ أم تُذري دُموعَكَ؟ أم =تهفو ضلوعُكَ للآياتِ والعِظَمِ ؟
وما تُبثُّ من الأشواقِ في حرمٍ =يُصابُ فيه بليغُ القولِ بالبَكمِ ؟
كان الرسولُ هنا يُملي هدايتَه =على الأنامِ بلا وعيٍّ ولا لسَمِ
كان الرسولُ هنا يُلقي نصائِحَه =فيطربونَ لها أشجى من النَّغَمِ
وكان يقضي هنا بين الورى حَكَماً =أكرِمْ بأحمدَ من قاضٍ ومن حَكَمِ
وكان من ههنا يُزجي كتائِبَهُ =لنُصرةِ الدِّينِ من أصحابِهِ البُهَمِ
ويستشيرهُم في المُشكلاتِ به =وفيه يستقبلُ العافينَ بالنِّعَمِ
وفيه يلقى وفودَ النَّاسِ آتيةً =من كلِّ صوبٍ بثغرٍ منه مُبتسِمِ
ومنه يبعثُ بالذِّكرى رسائِلَهُ =ورُسْلَهُ لملوكِ العُربِ والعجَمِ
هنا ثوى رجلُ الدُّنيا وواحِدُها =هنا ثوى خير من يسعى على قدمِ
اختاره الله من نسل (الخليل) فمن =فرع (الذبيح) فمن (عدنان) ذي الكرمِ
فمن (كنانة) في العلياء من مضرٍ =فمن قريشٍ فمن (عمرو) الندى الهشمِ
فالأبيض الغرّة الميمون طالعه =فجامع الفضل (عبدالله) والشيمِ
عقدٌ من النسب العالي يفوق على= عقد من الدر والألماس منتظمِ
كأنما الخلق (روض) والرسول به =خلاصة العطر من أزهاره الفغمِ
جاءت به الدرة العصماء آمنة =فأشرق الكونُ من أنواره العممِ
واهتز أهل السموات العلا طرباً =بمنقذ الكون مما فيه من أثمِ
وغنّت الحور أصوات السرور على =مقاعد النور في قدسية النغمِ
وسبحت ربها الأعلى الملائك عن =شكرٍ وبشرٍ بماحي الظلم والظُلمِ
وأشرقت رُحبُ الجنّات وانفتحت =أبوابها، وتجلى الله بالرُّحُمِ
ما كان يعلم أن الله مرسله =يوماً لأمته، دع سائر الأممِ
لكن مولاه قد حلاه من صغرِ= بكلِّ عالٍ من الأخلاق والشّيمِ
فكان في قومه بدعاً يباينهم =فيما يجيئون من نكرٍ ومن كثمِ
وصانه الله عمّا هم عليه، فلم =يشرب ويلهُ، ولم يعكف على صنمِ
لم يعرف الكذب يوماً ما على أحدٍ =فكيف يعرفه عن بارئ النّسمِ ؟
رأت خديجة من أخلاقه عجباً =وهي الغنية ذات الرأي والفهمِ
فكاشفته هواها في تزوجه =فكان عرسهما من أبرك القِسمِ
إذ أصبحت خير عونٍ عند بعثته =لبثّ دعوته بالمال والخدمِ
وهدّأت روعه إذ جاءها فزعاً =من بدأة الوحي أن لا تخشّ من لممِ
فأنت أحملهم للكلّ، أعونهم =على النوائب، أحناهم على الرّحمِ
أعظم بها امرأةً أحيت أناملها =محمّداَ منقذ الدنيا من الغممِ
كذاك لم ينهض الإسلام من ضعةٍ =حتى نرى (غيده) ينهضن بالعلمِ
كيف النهوضُ وشقٌ من جوارحكم =عضوٌ أشّلُّ ، وشقُّ غير مُعتزم ؟
في جهاده صلى الله عليه وسلم
يلقى الأنام ببشرٍ غير مصطنعٍ =ولا يكلمُ شخصاً غير مبتسمٍ
تعفو ذنوب الورى في حقه كرماً =ويقبل العذرَ من جانٍ ومجترمِ
حتّى إذا انتهكت لله حرمته =رأيت غضبة ليثٍ هيج في الأجمِ
سِفرُ الشجاعةِ فصلٌ في شجاعته =إذا الجموع تلاقت والوطيس حمي
يبدو إذا وهت الأركان من جزعٍ =أقوى وأثبت أركاناً من الهرمِ
وربما انفض عنه جيشه فيرى =كأنه وحده جيشٌ من البُهَمِ
يعطي العفاة عطاءً غير منقطعٍ =بلا حسابٍ ولا منٍّ ولا برمِ
ويستميل وفود العُرب تقدُم من =شتّى النّواحي ببذل المال والنَّعمِ
يحنو على كل ذي بؤسٍ ومتربةٍ =لاسيّما بؤساء الأيم واليُتُمِ
يطوي الليالي جوعاً بعدما جُبيت =له الغنائمُ من نجدٍ ومن تِهمِ
ما عاب قط طعاماً قدّموه له =وما نعى قطّ تقصيراً على الخدمِ
إن شاء يأكله أو شاء يتركه =أكان مؤتدماً أم غير مؤتدمِ
وما تزوّج تسعاً كي يلذُّ بها =إذن لما اختار من يحبون للهرمِ
لكنه كان يرجو أن يتم به =نشرُ الهدايةِ في الأقوام باللدمِ
كما تزوّج من بعض ليكفلها =ومن تفز برسول الله لم تئمِ
يكون في صحبةه فرداً كأصغرهم =شأناً ويمشي بلا صحبٍ ولا حشمِ
ويخصف النعل، يرفو الثّوبَ، يأخذ في =إعانة الأهلِ، يسعى في سرورهمِ
لا تعجبوا .. إنّ (طه) لم يكن ملكاً =بل مرسلٌ جاء بالآيات والحكمِ
في بعثته صلى الله عليه وسلم
وافى على فترةٍ والأرض واجفةٌ =ممّا بها من صنوف الكفر والجُرُمِ
تضجُّ بالظلم لا شرعٌ يقوم بها =من السّماء ولا من واضعٍ فقِمِ
أمّا (أوربا) فأهلوها برابرةٌ =مثل الوحوش على بغيٍ وسفك دمِ
و(الهند) و(الفرس) غرقى في إباحتها =و(الروم) من إحنٍ الأحزابِ في ضرمِ
في كل ركنٍ من الدنيا جبابرةٌ =يستعبدون رقاب النّاس كالغنمِ
في أمة القبط في شعب اليهود، كما =في الهند في الصين في الرومان في العجمِ
ساد الفساد وعمّ الشرُّ وانفجرت =براكنُ الوغي والشّحناء والوغمِ
وحُرّفت كتب الرحمن وامتهنت =كرامة العدل والآداب والنّظمِ
وأصبح النّاسُ فوضى لا يسودهم =إلا الزعانف أهل البغي والعشمِ
وعُذّب النّاسُ باسم الدين واستلبت =أموالهم للقسوس الفُسّقِ الغشمِ
فكان من حكمة المولى ابتعاث فتىً =يهدي شعوب الورى للمنهج اللقمِ
يُتمُّ ما بدأ الرّسلُ الكرامُ به =من دين موجد هذا الكون من عدمِ
من منذُ أن كان يحبو (العقل) ثم مشى =على الجدار إلى أن سار بالقدمِ
والدين يوحى إليه ما يناسبه =في كل طورٍ ويزجيه إلى الأممِ
إلى أن اشتدّ زنداه مراهقةً =ثم استوى رشده في آخر الأممِ
حيث استعدّ لفهم الحقّ معتمداً =على الأدلة لا بالخرقِ للنظمِ
فالخارقات إذا قام الدليل بها =من قبلُ فهو بهذا العصر لم يقمِِ
فكان أصلحَ شخصٍ للقيام به =محمد العربيُّ الطّاهرُ الشِّيمِ
في مـعــجــزاتــه صلى الله عليه وسلم
من أمةٍ ما قضى قسٌّ ولا ملكٌ =لها على خلقٍ حرٍّ ولا شممِ
أميةٌ ما حوت علماً سوى لغةٍ =شمّاءَ ما خضعت للطرسِ والقلمِ
فلم تزل تترقى في العصور إلى=أن أخرج الدهرُ منها أبدع النغمِ
فاختارها لغةَ القرآن منزله =والله أعلم بالأقدار والقيمِ
ذاك الكتاب الذي أحيى النبيُّ به =بقدرة الله أجيالاً من الرَّممِ
أقام من (يعرب) من بعد شقوتها =شعباً عزيزاً قوياً جدُّ ملتئمِ
قامت به دولة عظمى على أسسٍ =من الهدى والتُّقى والعدل والكرمِ
رعت - ولم يمضِ من تكوينها زمنٌ =كبرى الممالك بعد الشّاءِ والنَّعمِ
المعجز الخالد الباقي بجدّته =إذ معجزات سوى (المختار) لم تدمِ
العلم آيته، والعقل حُجّته =والعدلُ شرعته فيكل محتكمِ
جاءت بلاغته لا كالبلاغة في =نظامها الجزلِ أو أسلوبها القصَمِ
كالرعد يقصفُ أو كالريح تعصفُ أو =كالبحر يرجف في أمواجه البُهُمِ
من ذا يعارضه جهلاً وقد رجعت =عن آيةٍ منه غلب القول بالبكمِ ؟
يقصُّ أخبار الذين مضوا =من قومِ نوحٍ ومن عادٍ ومن إرمِ
وقصّ أيام (إسرائيل) يفضح ما =قد دسه القوم فيها من فرى جُسُمِ
وآية الروم إذ جاءت بنصرهم =على العدو فلم تخطئ ولم تهمِ
وكم به من علوم الغيب ما وقفت =لها العقول على عينٍ ولا ندمِ
وكم جلا (العلم) في العصر الحديث له =عجائباً لم تبن يوماً لذي فهم
في الدين في الخلق في علم الطبيعة في =طبائع النفس في التاريخ في الحكم
يعلو الأماكنَ والأزمان متفقاً =مع الحضارات فيها غير مصطدم
يسنُّ ارقى قوانين الحياة على = أتم ما يعرف الأمكان من نظم
صحّت كما صحّ مبناه روايته =عن الملايين من حفاظه النُّجمِ
فدع أقاصيص عن (عيسى) ملفقةً =كتبن في أعصرٍ شتّى على وهمِ
مكذباً بعضها بعضاً بلا أسس =من استقامة اسنادٍ ولا دِعم
إلا (أناجيل) روح الحقِّ عطّلها = لدى النصارى فلم تقبل ولم ترم
وشاء ربك أن يبقى لحجّته=لدى النّصارى فلم تُقبل ولم تُرمِ
مبشراً برسول الله يخبرنا=منهنّ (إنجيل برنابا) على القدمِ
الله أكبر هذي بعد معجزةً=لدين (أحمد) جاءت من ديارهمِ
كهذه فليكنّ المعجزات، فما=غناء كشفِ العمى والبرء للسَّقمِ ؟
هذا على أنّ (طه) قد أتيح له=منهنّ شئٌ كثيرٌ ليس بالأممِ
مثل العروج ونبع الماء من يده =وهزم جيشٍ برملٍ من يديه رُمي
والجذع إذ حنّ والإخبار عن غيبٍ=بموتهم ثمّ والتكثير للوثمِ
وغير ذلك مما جاء عن عرضٍ =لا للتحدّي، فشمس الحقّ لم تغمِ
صحّت أسانيدها لا كالتي رُويت=عن سائر الرّسل لم تثبت لمتهمِ
ولا سبيل إلى إثباتها بسوى =هذا (الكتاب) الكريم الشاهد الحكمِ
في تعاليم الأسلام و اركانه
أتى بدينٍ قويمٍ غير ذي عوجٍ =متى يلجْ بابَه المعوّجُّ يستقمِ
يولي سعادتي الدارين تابعه =يعنى بتربية الأجساد والنّسمِ
يدعو إلى الخير مهما كان مصدره =كما يصد عن الفحشاء واللممِ
ويجعل العبدَ يدعو الله خالقه =بلا حجابٍ من الأحبار والنُّهمِ
يحل كلّ صنوف الطّيبات بلا =تجاوزٍ لحدود القصد للتخمِ
لم يشرع الحرب إلا في مدافعةٍ =عن دعوة الحق أو في كفِّ مهتضِمِ
وخصّص العربَ بالتضييق متخذاً =ديارها معقلاً للمسلمين حُمي
إذ لم يكن عندها دينٌ تلوذ به =في الخير والشّر والسّراء والنّقمِ
يدعو إلى العلم والأخلاقُ يرفعها =ويبذرُ العزّ في اتباعه الكُرمِ
لا يلتقي الذلُّ والإسلامُ في خلدٍ =أو يمكن الجمعُ بين الماء والضَّرم ؟
النّاسُ كلهم في حكمه شَرَعٌ =لا فضل فيه لمخدومٍ على خدمِ
ولا تفاضل في مالٍ ولا نسبٍ =وإنّما الفضلُ بالأعمال والهِممِ
يرى (الطهارة) من أسمى شعائره =لا يقبل الله نسك الأغبر الدّسِمِ
وفي (الصلاة) مناجاة تطهر من=نفس المصلي وتؤويها لدى البهم
وفي (الزكاة) دواءٌ لا مثيل له = لكشف ما حاق بالدنيا من الإزمِ
الأشتراكية المثلى تتم به =بلا كنود ولا حيف ولا وغمِ
أما (الصيّام) فترويض النفوس على=حمل الشدائد في صبرٍ بلا برمِ
وكم جلا الطبُّ من أسراره عجباً=يزيل ما عيّ عنه الطبُّ من سقمِ
و(الحج) مؤتمرٌ للمسلمين به = تنمو قواهم ليضحوا قادة الأممِ
وكم به من دروس جد نافعة =لو أنّ آذانهم خِلوٌ من الصّممِ
ساوى النساء حقوقاً بالرجال سوى=ما يقتضيه اختلاف الخلق والشيمِ
فكلف الرجل الأنثى: القيام بها=ولو غدا مالها كالوابل الرذمِ
يرى (أنوثتها) أرقى فضائلها=فلا تذل بأهوانٍ ولا تسمِ
تكون آمرة في البيت ناهية=تعنى بتربية الأولاد بالرُّحمِ
هذي وظيفتها الفطرية ارتسمت=في سُنّة الله قبل اللوح والقلمِ
تكون في مالها طلقاَ مخوّلة=حقّ التصرف في بيعٍ وفي سلمِ
فسل نساء فرنسا هل حصلن على=حقّ التصرف بعد (الثورة) العممِ ؟
أو هل تذكّر (أوربّا) زمان ترى= نساءها كمتاع البيت والعجمِ
ليالي ارتيب في الأنثى بها ألها= روحٌ ؟ وهل هي إنسانٌ كقومهمِ
وسنّ (للرّقّ) ما يقضي عليه على= مدى الزّمان مع التدريج والسّلمِ
حاط (الموالي) بالحسنى وعاملهم=كالمالكين مع التخفيف في الجُرُمِ
سنّ (الكتاب) لإطلاق الإسار كما = دعا ورغّب في الإعتاقِ للنَّسمِ
وسنّ في فكّ أسرى الحرب فديتهم=بالمال أو عتقهم بالمنّ والكرمِ
الله أكبر هل في الشّمس طالعةً=شكٌ وهل بعد رأي العين من وهمِ ؟
فتى يتيمٌ فقيرٌ في البداوة ما=جالت يداه على سفر ولا قلمِ
قضى شبيبته في الصالحات ولم=يبغِ الرياسة يوماً ما ولم يرمِ
حتى إذا جاء بسنِّ الأربعين أتى=بمعجزٍ زاخرٍ بالعلم والحكمِ
أتى بما لم يدُر يوماً على خلدٍ=من فيلسوفٍ ولا حبرٍ ولا حكمِ
وكيف يسبق ما لم يأتِ بعدُ سوى = ربُّ الزّمانِ إله الكونِ ذي القِدم ؟
و(محنة الإفك) برهانٌ يدل على=صدقِ النّبيِّ وينفي سائر التهمِ
لله فيها - وطه في تبلبله=من هولها - حكمةٌ تسمو على الفَهَمِ
لو كان من قلبه هذا الكتابُ لما=قضى زماناً طويلاً وهو في غُممِ
يعذّبُ الشكُّ قلباً منه ممتلئاً=بالحبِّ والطُّهر مغياراً على الحُرَمِ
فلا يبتُّ بأمرٍ فيه وهو على= مثل الأسنّة لم يبرئ ولم يُصمِ
والمسلمون بحالٍ لا شبيه له=من التحيُّرِ والإشفاقِ والألمِ
حتى أتى الوحيُ بالآياتِ معلنةً=براءة الطُّهر ذات القدسِ والعصمِ
زوجِ النّبيِّ ابنة الصّديقِ صاحِبه=خير الورى بعد خيرِ الخلقِ كلهمِ
فأشرقت أوجه الأصحاب من فرحٍ=وجللتْ أوجه الأعداءِ بالسّخمِ
منافقون يراءون النّبيَّ ولا=يألون يمنونه بالسُّمِّ في الدّسمِ
يدري النّبيُّ بهم والمسلمون ولا=يقضي عليهم وهم أعدى عدوّهمِ
أن لا يقال: ابن عبدالله يقتل في=( اصحابه (وهو أوفى الخلق بالذممِ
ولو أراد لأفناهم بما اجترحوا=فهم أذلّ من الجعلان والحَلَمِ
أبعد هذا يماري في نبوّته =إلا أصمُّ عن الحقّ المنير عمي ؟
روحٌ من الله أوحاه إلى رجلٍ=لا كالرجال بغير الفضل لم يهمِ
ما كان مشتهراً بالشعر مفتخراً =باللسن مثل بني آبائه اللُّزمِ
ولم يكن ملكاً لكنه بشرٌ =فاق الملائك بالأخلاق والعظمِ
العصمة الحقُّ من أدنى مناقبه =إذ كان من خلقه العلوي في عصمِ
ويستحيل وقوع السّحر فيه كما =روى الرواةُ بلا نقدٍ ولا فهمِ
دُسّت عليهم فراحوا يلهجون بها =والله يغفر عنهم زلة القدمِ
وكم لأعداء دين الله من بدعٍ =قد ألصقوها به ثأراً لملكهمِ
سمومها انتشرت في المسلمين فما =قاموا لأجنبَ للأوطانِ ملتهمِ
في التوسل بالنبي والمناجاة
أقسمتُ باسمِكَ يا أعلى الورى شرفاً =لو جازَ تقديسُ غيرِ اللهِ بالقَسَمِ
لقد غدت أمَّةُ الإسلامِ واهلةً =منها القلوبُ فأضحتْ قصعةَ الأُمَمِ
لم يبقَ فيها من الإسلام وا أسفا =إلا اسمُه وبها معناهُ لم يقُمِ
قامت حجاباً كثيفاً دون دعوتِهِ =بما إليه سقوطُ المسلمين نُمي
حاكتكَ في صورِ الأعمالِ تتبعُها =وما اقتدتْ بك في عزمٍ ولا هِمَمِ
ولا كمالٍ ولا صدقٍ ولا خُلُقٍ =ولا اجتهادٍ ولا عزٍّ ولا شَمَمِ
ولا تقومُ إلى القرآنِ تقرؤُهُ =إلا أماليَ بالألحانِ والرَّنَمِ
كأنَّما أُنزلتْ آيُ الكتابِ لكي =تُتْلى على شُربِ راحٍ أو على رَجَمِ
تبدَّلوا منه كُتْباً لا حياةَ بها =كأنَّما عكفوا منها على صنمِ
تحكي نواويسَ موتى صُبِّرتْ زمناً =فلا تُرى بين أجسامٍِ بغيرِ دمِ
عدُّوا المشايخَ أرباباً بعدِّهمُ =أقوالَهم كنصوصِ الواحِدِ الحَكَمِ
وآخرون أصاروا الغربَ قبلتَهم =فهم بها خيرُ طوَّافٍ ومُستلِمِ
رأوا (أوربَّا) فراحوا يكفُرون، على=جهلٍ، بدينِهِمُ الموروثِ والشِّيَمِ
وأنكروا مجدَ آباءٍ لهم شهدتْ =لها فحولُ رجالِ الغربِ بالقِدَمِ
وما لذلك غيرَ الضعفِ من سبب= فالضعفُ أصلُ جميعِ البؤسِ والنقمِ
يا ربِّ رحماكَ إنَّ الغربَ مُنتبهٌ =والشَّرقُ مُشتغِلٌ بالنَّومِ والسَّأمِ
والعُربُ في غفلةٍ عمَّا يُهدِّدُها =لم تعتبرْ بليالي بؤسِها الدُّهُمِ
يا ويحها تتعادى، والعدوُّ على =أبوابِها يرقُبُ الأحداثَ عن كَثَمِ
والوقتُ أضيقُ، والأحداثُ في عجلٍ =تبني وتهدمُ، والآفاتُ كالدِّيَمِ
إنِّي السَّعيدُ إذا ماأمَّتي سَعِدَتْ =حالاً، وفي ذُلِّها ذُلِّي ومُهتَضَمِي
إذا أملتُ ففي آمالِها أملي=وإنْ ألمتُ فمِن آلامِها ألمي
يا ربِّ يا صاحبَ العرشِ العظيمِ ومَنْ=تُحيي الإرادةُ منه دارسَ الرِّمَمِ
بما بعثتَ به خيرَ الأنامِ أجِرْ =يا ربِّ أمَّتَهُ من قُصمةِ القُصَمِ
ولقِّها منك روحاً لا يغادرُها =إلا وقد نهضَتْ منشورةَ العلَمِ
تُطهِّرُ الكونَ مما فيه من رِجسٍ =ومن فُسوقٍ ومن ظلمٍ ومن إزَمِ
فلا دواء له ممَّا يُكابِدُهُ =إلا هدايةُ خير الخلقِ كُلِّهِمِ
واملأ فؤاديَ نوراً من هدايتِهِ =واجعلْ عزائمَهُ ممزوجةً بدمي
وأقدُرْ لي َ الخيرَ وارزقني شفاعتَهُ =في يومِ يؤخذُ بالأنفاسِ والكَظَمِ
وبُلَّ من حوضِهِ حلقي، إذا اتَّقدتْ =نارُ الأُوامِ وكلُّ العالمين ظمي
واغفرْ ذنوبَ أبي فضلاً ووالدتي=وزوجتي وذوي قُربايَ والرَّحِمِ
وصلِّ أزكى صلاةٍ منك دائمةٍ =على الرسولِ رسولِ الرحمةِ القُثُمِ
وانشرْ رضاك على الصِّدِّيقِ صاحِبِهِ =في الغارِ، ذي البرِّ والإشفاقِ والرحمِ
ربِّ المواقِفِ في عصرِ النَّبيِّ وفي =وفاتهِ، وحيالَ (الرِّدَّةِ) العَمَمِ
ثمَّ أرضَ عن عمرَ الفاروقِ أولِ مَنْ =صلَّى برغمِ أُنوفِ القومِ في الحرمِ
مُقوِّضِ الفُرسِ والرُّومانَ شائِدِهِ =مُلكاً يطولُ على الأقمارِ والنُّجُمِ
وأرضِ عثمانَ ذا النورينِ أخشعَ منْ =تلا الكتابَ بدمعٍ منه منسجِمِ
مُجهِّزِ الجيشِ إرضاءً لخالقِهِ =في عُسرِةِ الجيشِ بالإبريزِ والقُضُمِ
وعن عليٍّ أبي الريحانتين، أخي =خيرِ الورى، بطلِ الأبطالِ، قُطبِهُمِ
سيفِ النبيِّ وفاديهِ بمُهجتِهِ =إمامِ كلِّ صدوقٍ في اللقاءِ كمي
ثم السَّلامُ على (طه) وعِترتِهِ =وآلهِ قُرناءِ الذِّكرِ في الحرمِ
على البتول على الكبرى على حسَنَ =على حُسين على أزواجِهِ العُصُمِ
واختم بمسكِ تحيَّاتٍ يفوحُ على=محمدٍ خيرِ مبدوءٍ ومُختَتَمِ
ما أومضَ البرقُ في الظلماءِ مِن إضَمٍ =وما عطا الريمُ بين البانِ والعلَمِ