شراب الأرواح من فضل الفتاح :-
البـــــاب الأول:-
(حكـــمة)
• طلبك له هو عين طلبه لك، ولولا طلبه لك ما طلبته، فأنت مطلوب به ومطلوب له، ولا أثـر لك فى طلبـك له، إنما أنت به مطلوب وبه طالب، وإلا فمن وفق الطالبين حتى يطلبوا؟ وهل للطالب فعل أو أثر حتى ينسب الطلب لنفسه؟ حاشا، إنما ينسب الطلب لنفسه من لم يوحد مطلوبة، والواصل لا يشهد غيراً، ولا تميل نفسه إلى سوى، فهو فانٍ به فيه عن شهود الأعمال والعبادات، ومتى شهد لنفسه عملاً وتيقن أنه طالب له بعبادته وبطاعته فهو محجوب عن الحقائق الإلهية، وإلاَّ فمتى يوحد من شهد نفسه أو أثبت له عملاً وليس فى الكون أثر لغيره: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚسُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰعَمَّا يُشْرِكُونَ) سورة الزمر آية 67.
فالوصول هو إضافة الأعمال والآثار والمظاهر كلها إلى الواحد المنزه عن الشريك والمعين، حتى يفنى عن المشاهدات والمشهودات، والنسبة إلى نفسه، والنظر إلى إضافة الأعمال والتوفيقات إلى نفسه، أو إلى غير الواحد الأحد، تنزه عن أن ينسب إليه ما لا يليق بجنابه السامى من التبجيل والتعظيم. وتقدس عن أن تكون نعمته معللة بسبب، مرتبطة بعمل، وهو المعطى الوهاب: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) سورة يس آية 82.
• اضطرارك إليه هو عين التوكل عليه، فإذا اعتمدت عليك وكلك إليك.
• سلب أنيتك يوجب حسن هيئتك، وشهود وجودك هو عين صدودك.
• متى ظهر لك حقيقتك صحت عبوديتك.
•إذا انكشفت لك شمس التحقيق قبل أن تشهد شرع التدقيق؛ فأنت غريق، إذا لم يستر نور البدر صورتك؛ كشفت شمس الحقيقة سريرتك، متى دخلت من الباب؛ صرت من أولى الألباب.
•إذا لمعت عليك أنوار قدسه؛ فقد اختصك بأنسه، وإذا جملك بجمال الربوبية؛ فطهر ثياب العبودية.
•الدنيا دار تعريف وتكليف، فلا يشغلك عن تلك الغاية الحظوظ والتصريف، والتهاون والتسويف. أحى صفاتك بنسبتها إليه، وأسعد أوقاتك بالتوكل عليه. أنت عدم إذا عاملك بعدله، وملك إذا لاحظك بفضله، أوجدك لتتوصل بمعرفته إلى التحقيق بعبوديتك لذاته، وكلفك مع أنه الفاعل المختار؛ لتذوق بإطاعة الأمر حلاوة الأسرار. إجعل حظك الرضا بما أقامك فيه، حتى يدخلك بفضله حضرة تجليه.
• حافظ على الأدب ولو رفعت لأعلى الرتب، واخضع للسنة ولو بشرك بالجنة.
• إذا أردت أن تراه فازهد من سواه. كيف تظهر تجلياته لمن صـدأت بغيره مرآته ؟! كيف يشهد ربه من الجنة سكنت قلبه؟! إنما وعد بجماله، وأوعد بجلاله، لإحياء بشريتك، والفناء عن حظوظك وشهوتك، لتفنى عن الوعد والوعيد فى طلب الملك المجيد.
• سر من حيوانيتك إلى آدميتك بما أنت عليه من حسن حليتك، وإنهض من قيود الآدمية إلى رحيب الإنسانية بما فيك من الحكم الربانية، وتخلص من أدران إنسانيتك بنور ملكيتك، وأنب بربك من الوقوف عند الملكية إليه بنور البصيرة الإلهية.
• إذا صفا الناسوت من أدران سفله، وسطعت على الروح أنوار كماله، سبحت فى ملكوت شهود الجمال، وتمتعت بشهود حظيرة الوصال، ليس ما تشهده فيك وفى الآفاق إلا أسرار تجليات الخلاق، وهو تنزه علواً عن الاتصال والانفصال، فكيف تدريه العقول فى حال من الأحوال؟
• إذا ما غيبك عنك بشهوده، وأفنى وجودك فى ظاهر وجوده، ظهرت عين آياته فى صورة مرآته. وإذا غيبك بشهود مظاهر تنزلاته، ومحا عنك نسبة الأين الحاجبة لستارته فقد خصصك لحضرة ذاته.
• لا تجعل لسانك لهجاً بذكر خصوصيتك، ولا تبسطه فيشطح بأسرار مزيتك، فيكون نقصاً فى مقام عبوديتك، إذا جملك ربوبيته فإشطح بلسان العبارة فى بستان وحدته. العبارة إذا كانت منك لك حجبتك وإذا كانت منه له قربتك، إذا ظهرت لك حجبك ظهورك عن شهود ظاهر الحق وربما استدرجك فى هذا المقام فرفعك فى اعين الخلق
• لسان العبارة من العارفين بالله تطيب بها الأرواح وأشارات عن الغيب تهتز بها الأشباح (الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم)
• فى ليلة المعراج سنة 1319 قربك به منه بطون لك فيه وظهرو له بهولك به فيك وقربك بك الحسى من حيث الاستدلال نأى عنه وظهور لك فى عينك بغير حقيقتك وهو هو الظاهر له به ذاتا واسما ولك تأثيرا وهو الحجاب الذى هو أنت فى عينك وبعدك الحسى بطزن لظهوره وخفاء لظاهره وهو هو الظاهر له به من حيث غيبتك عن علم من أنت حقيقته وه والستر المعبر عنه بالكفر لأن الهوى غالب على السمع والابصار والأفئدة فحرمها من التفكر فى الأثار وخير الأمور الوسط وهو أن تعلم حقيقة أنك شىء مذكور به له وأنه الواجب الوجود الظاهر بأسمائه ونعوته حقيقة له واعتبارا لك من حيث تقييدك فهو سبحانه ظاهر لا يخفى وباطن لا يدرك وأنت ثابت به له معدوم بك لك والحال يحول ستارة الأوهام كما يذيب حر الشمس برد الماء ومتى هبت نسمات القدس من أرجاء حظيرة الأنس انتعشت تلك الروح القدسية فى مضايق العوالم الناسوتية وترنمت بأشجان الميل إلى مكانة التنزلات الربانية فغاب الحس وانمحى اللمس واختفت الآثار بأنوار الأسرار هنالك يترجم اللسان ولا ملام وتباح العبارة ويأمر بالأشارة (وما منا إلا له مقام معلوم) (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) الحمد لله على القرب به له سبحانه والفتح منه والأقبال والقبول وصلى الله على عين الكمالات العين وسر جمال الأحد صلاة بها نشرب من أنهار معارفه شراب العلم النافع والتوفيق والأخلاص يا رب العالمين أجب دعانا يا مجيب الدعاء.
• عنه فى أول رمضان سنة 1327 بمنزله لا تفرح بالعمل إلا أذا تحققت بالأخلاص فيه ولا تفرح بالآخلاص إلا أذا تحققت بأصابة الحق فيه ولا تفرح بإصابة الحق إلا إذا تحققت بتوفيق الله فيه ومعونته ولا تفرح بالتوفيق إلا أذا فرحت بالله الذى أقامك مقام العامل لذاته حتى صرت من عمال الله.
•الاحسان واجب عليك إلى أخيك ولو تحققت منه الاساءة فكيف تسىء إليه مع تشككك فى قصده.
•علامة الحب أن تقبل على حبيبك عند أقباله عليك وادباره عنك.
• من كان قربه بالأذن كان بعده بالأذن، ومن كان قريباً بالقلب لم يبعد.
• أحبابك ثلاثة: حبيبك، وحبيب حبيبك، وعدو عدوك. وأعداؤك ثلاثة: عدوك، وعدو حبيبك، وحبيب عدوك.
• الرجل من إذا غضب أرضى الله، وإذا رضى أرضى الله.
• القيود الشرعية حصون من الفحشاء فى البداية، ومزاج يجعل الطالب وسطاً فى النهاية.
•القيود الشرعية حصون من الفحشاء فى البداية، ومزاج يجعل الطالب وسطاً فى النهاية.
• استنارة القلوب دليل على غفران الذنوب، قبل أن يتجلى الوهاب يتجلى التواب، حتى تطيب المواجهات بعد الهبات.
• من لم يجلس مجلس ذل صغير، جلس مجلس ذل كبير.
• الجمال جمالان: جمال تبتهج به وإن احتقرك الناس، وجمال تحتقر به نفسك وتعز عند الناس. أما الأول: فوضوح الحق لك عن عين يقين، وإنتهاجك على سنته، وإن خالفك الناس وعاداك. وأما الثاني: فانبلاج أنوار الحق عليك حتى تضيء أرجاء حقيقتك، فتعلم مقدار نفسك فتحتقرها، وتظهر أنوار الحق للخلق فتحترم عندهم، وتعظم فى أعينهم.
• المريد الكامل من تجلى لقلبه مراد المرشد قبل سؤاله.
شىء إذا علمته علمك، وشىء إذا فهمته جملك، وشىء إذا واليته أشهدك، وشىء إذا شهدته جملك، أما الأول فهو الأب، والثانى هو الأستاذ، والثالث هو إتباعك للمصطفى صلى الله عليه وسلم، والرابع هو الله جل جلاله.
الجمال أربعة أقسام: جمال صرف وهو الجنة، وجلال صرف وهو النار، وجمال جلالى وهو الذى يكون ظاهره جمالا وباطنه جلالا كالشهوات جلال جمالى وهو الذى يكون ظاهره جلال وباطنه جمالا كالنار فى الدنيا.
• إن لله جنة عاجلة من دخلها لا يحتاج إلى جنة آجلة، ألا وهي المعرفة بالله تعالى.
• ظهرت لك بك وبما لابد منه حتى لا تدعى أنن حجبت عنك، فإذا تقربت إلى بما ظهرت لك فيه، قربتك إلى وكاشفتك بجمالى بى، وإذا شغلك ما ظهرت لك فيه حجبتك عنى، وطالبتك بحقوقى، ولى الحجة البالغة عليك.
• نوعت لك الأنواع لتثبت الوحدانية لذاتى، وكثرت فى عينك الأعداد لتشهد معانى تنزلات أسمائى، ليكون أنسك أكمل، وتقربك إلى أسهل، وكل ذلك لك سخرت وأنت لذاتى فلا يسخرك ما لأجلك خلق ولا يستعبد ما لأجلك وجد فكن لى خالصاً أكن لك خالصاً، ومن كنت له خالصاً لا تعلم نفس ما أجعله له.
•عجباً لمن رآنى دون مكوناتى، قال العارف: سبحانك تنزهت، قال: من جعلنى وسيلة إلى جناتى، فقد رآنى دون مكوناتى.
• أول فريضة المعرفة، ولا عمل قبلها.
• ما وحد من شهد عملاً لنفسه أو لغير الله.
• متى صلحت القلوب، واجهت علام الغيوب.
• ثلاثة لا تدوم محبتهم: الحب لطمع فى الدنيا، والحب لنوال معصية، والحب لمعونة على معصية. وثلاثة لا تنقطع محبتهم: الحب لله، والحب لجميل، والحب للعالم حديث سيدتنا عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم حين طلب معاوية منها أن تنصحه وتوجز من حسن سريرته لله جمل الله علانيته للخلق.
• من كان الله مراده، كان مقعد صدق وراءه.
• من عصى الله فيك، فاجتهد أن تطيع الله فيه.
• الوجد نتيجة القصد، ولا قصد إلا بمعرفة، ولا معرفة إلا بيقين، ولا يقين إلا بحجة، والحجة إما نور مواجهة للسرائر، أو انكشاف حكمة المظاهر. فمن كان قصده الأحد العلى لذاته فوجده الرهبة من عظمته، والرغبة فى كمالاته، وهو الفرد الكامل المتمكن من مشاهدة التوحيد بالتوحيد، واجهه الجبروت، وشاهد العزة بعد أن غاب عن الملكوت. (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) سورة سبأ آية 13. ودونه مراد من المرادين، قصده الجميل المفيض للجمال، الولى المعطى الوهاب، ووجده الخشية من ذى الجلال، والرغبة فى ذى الفضل العظيم والإحسان، وهو مراد متمكن من مشاهدة تجلى معانى الصفات، واجهته العزة، وشاهد الملكوت بعد أن غاب عن الملك.(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) سورة فصلت آية 30. ودونهم مريد صادق من الصادقين، وقصده الإنعام والإحسان، ووجده الخوف من مقام ربه، ورغبته النعيم المقيم فى الجنان، وهو مريد متمكن من التصديق بالملكوت، واجهه الملكوت بعد أن غاب عما حظره الشرع فى الملك.(وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) سورة الإسراء آية 19.
• الفكر مطية، إما للصد أو الوجد، فإن بعث إليه شهوة الأعضاء ودواعى الحظ والهوى فقد أخلد إلى الأرض، وإن دعى إليه تدبر فى أسرار الكائنات؛ وإعتبار بالآيات؛ وقياس ما يأتى بما فات؛ فهو البراق بالرفعة إلى أعلى المقامات.أعضاؤك السبع مفاتيح للشهود فى الجنات، وأبواب للخلود فى أسفل الدركات، بين الحلال بَيِّنٌ والحرام بيِّنٌ. أخلاق إبليس إعلان على سوء الخاتمة، ما لم يتطهر منها مريد الوصول، وأخلاق البهائم يمحوها ماء التوبة وصابون العدول. إنما النوافل بعد الواجبات وإلا كانت بليات. من أخذ حظه من الصبر واليقين فقد نال الخير كله. رحمة الله وسعت كل شىء، وإنما وصف بها أفراده المحبوبين فالرحمة برهان المحبوبين أنهم محبوبون (وَاكْتُبْلَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) سورة الأعراف آية 156 أى يوصف بها. كمال المعرفة أن تعرف من أنت فلا تتعدى قدرك (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) سورة الرحمن آية 46. كمال الظلم أن تنسب لك ما هو لغيرك (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة المائدة آية 120. كمال الجهل أن تعتقد دوام ما يزول فتحرص عليه (وَقَدِمْنَا إِلَىٰمَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) سورة الفرقان آية 23. كمال المجاهدة أن تجاهد نفسك وهواك فى ذات الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚوَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) سورة العنكبـوت "آية 69. كمال النعمة شهـود الحق عند كل شىء بما يناسب مقامـه (كَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) سورة الأنعـام آية 75. كمال الغفلة أن يسىء ويرى أنه محسن (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) سورة الكهف آية 104. القلوب أوعيـة الغيوب، وهى البيـت المعمور، والعرش، واللوح المحفـوظ (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) سورة النور آية 36. عن الشرك (ويذكر فيها أسمه) بالتوحيد (يسبح له فيها بالغدو والآصال) بالفكر والاستحضار كمال الأدب مع الله تعالى حسن الظن به سبحانه، الحمد لله على نعمائه الظاهرة والباطنة.
•الظاهر من الأعمال ميزان الخلق والحق محل نظره القلب، فعلى الإنسان أن يحكم على الناس بظواهرهم حالاً غير موقن بالمآل، فقد يكون المآل على مقتضى ظاهرهم وقد يكون على غير ذلك، وكل ذلك بحسب السابقة. أنت أيها الإنسان لا تعلم ما سبق فى العلم، فلا تفرح بحسن الحال الظاهر فى آخر، ولا تحزن بسوء الحال الظاهر فى آخر، فإن الأحوال تتحول، والشئون تتجدد. ولكن عليك أن تجعل الشكر حصناً لحسن حالك، والابتهال وسيلة لتحسين مآلك، أيها الإنسان: إجعل ثقتك بمن لا يتغير ولا يتحول، وأوصل نسبك بنسبه، وأنس به ليدوم فرحك، وتتوالى عليك البشائر فى دنياك وآخرتك، وإجعل مدحك للناس فى حال إحسانهم بلسانك، تنشيطاً لهم، ولا تركن بقلبك إليهم لتكون على حذر منهم. ليس كل إقبال موجباً للقبول، ولا كل تمسك بالصالحات مؤدٍّ إلى الوصول، وإنما تصل إلى مولاك بنسبك، وتقبل لديه بأخلاقه التى تتجمل بها، فنسبك له عبد مفتقر مضطر، ونسبته إليك رب ممدك بالإيجاد والإمداد. ليس الوصول تلذذاً بالأعمال وتجملاً بالأحوال، إنما الوصول معرفتك نفسك، وعلمك مرتبتك، وتحققك بفاقتك، وإضطرارك له، فكم عامل بالكتاب والسنة وهو أشر على المسلمين من الجنة، وكم من متظاهر بزى المساكين وهو أضر عليهم من الشياطين، فجمل باطنك لمولاك يدوم رقيك وعلاك، متى تتجمل بالعبودية وأنت ترى نفسك خيراً من سواك؟ أو أولى بفضل مولاك؟ عجباً لك!! أو تَقْسِمُ رحمة ربك؟ (وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰهُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَىٰأَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ ۗقُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۗوَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) سورة آل عمران آية 73. العبد من كان جماله صفات العبيد، وكماله التخلق بأخلاق المبدئ المعيد، وإبليس عبد الله سبعين ألف سنة، لم ينتفع منها بخطوة سنة، ولكنه حسد آدم نفساً فطرد وأبعد. فتجمل بجمال الأخلاق، وصغر نفسك فى أعينك تعظيماً لذى الجلال والإكرام، من أمدك بالخير والإنعام.
لَيْسَ الرُّقِىُّ إلى العَلْيَا بِأَعْمَالٍ ولاَ الوُصُولُ بأسْرَارٍ وأَحْوَالِ
وَلاَ بِعِلْمٍ بِهِ تَغْوَى وَلاَ أَمَلٍ وَلاَ جِهَادٍ بأَبْدَانٍ وَأَمْوَالِ
لَكِنَّهُ مِنّهٌ مِنْ فَضْلِ وَاهِبِهِ بِهِ تُعَدُّ جميلا بين أبْدَالِخُلُقٌ عَظِيمٌ وَإيقَانٌ وَمَعْرِفَةٌبِاللهِ ذِى الفَضْلِ وَالإحْسَانِ وَالْوَالِى
إذَا عَرَفْتَ مَقَامَ اللهِ خِفْتَ وَفِى خَوْفِ المَقَامِ تَنَالُ الْقُرْبَ بِوِصَالِ
هَذَا الوِصَالُ وَهَذَا القُرْبُ أجْمَعُهُ سَعَادَة أبَداً فضلٌ بِغَيرِ زَوَالِ
يَا وَاسِعَ الفَضْلِ جَمِّلْنَا بِفَضْلِكَ يَاذا العَطَايَا بِإحْسَانٍ وإقْبَالِ
وَبالجَمَالِ فَعَامِلْنَا وَكُن مَعَنَا بِنُورِ وَجْهِكَ فى دُنْيَايَ وَمآلِى
• إذا انفتق رتق القلب بما يفاجئ المراد من واردات الحق انحلت عقدة لسانه فأظهر حقائق الوجود فى هياكل مجملة برح القدس، تميل إليه النفوس المطمئنة، وتنكشف بها ظلمات الوهم بأنوار اليقين، وتنزعج منها النفوس المحجوبة بحجاب الهوى، وهى هى الحكمة السماوية المفاضة بفضل الله ورحمته، والناطق بها من أفراد الرجال المخصوصين بسابقة الحُسنى، يصدع بها القلوب، ويمحق بها الأوهام. وليس المراد من الحكمة عبارات متسعة المبانى، بالغة حدها فى سمو اللفظ، وإنتظام التركيب ومراعاة مقتضى الحال المكتسب، ذلك من مزاولة علوم الفلسفة والمنطق والرياضات، ليستمد الذهن بالنظائر والقضايا والأقيسة والأشكال، واستعمال النكت البلاغية، فإن هذا من الحكمة بمراحل، لأنا نرى كثيراً من الكفار وأهل المعاصى لهم اللسان المعبر؛ والقلب المبين بحالة تحير العقول. وقد جعل الله حظهم من لسانهم، وحرمهم من نور الحضور معه، ولذة الاستمداد منه.
• من استغنى عن الله استغنى الله عنه ومن افتقر إلى الله أقبل الله عليه.
• ادع نفسك إلى الله، فإن انقادت فادع غيرك.
•إذا تعلقت همتك بالقدس الأعلى، وإنحصرت إرادتك فى طلبه، وهجرت مألوفاتك وعوائدك، وعاديت آمالك ومراداتك، كان لك ما تشاء مما تتعلق به قدرة الحق، ولو قلب الأعيان وإسباغ الآلاء. إذا كان لك غير الله مراد، كيف تبلغ منه المراد؟. إذا جملت له سريرتك جمل بمعانى صفاته علانيتك.
• إذا أقبلت بكلك عليه جذبك به إليه.
• إذا تحققت بمعانى صفاتك من عدم وذل وفاقه واضطرا، وذكرته بما ظهر لك فيك وفى الآفاق، جعلك أميناً متصرفاً فى مكوناته، وكانت (كن) لك من بعض هباته. إذا ظهرت بأكمل أخلاق العبيد؛ أحبك وجملك بالمزيد ثم أظهرك فى كونه مجملاً بجماله، فإذا رُئيت ذكر الله لرؤيته. أعمال الأبدان إذا كانت عن مشاهدات كانت قربات، وإلا فهى على العمال بليات.
• إذا واجهك بمعنى إسم من أسماء جماله، بإسباغ نعم أو نشر فضل، فلا تنس من أنت. واستقبـل مواجهته بفرح بفضله. وأنس بمشاهدته، وذكر له سبحانه، وشكر على نعماه حتى تكون على مزيد من جدواه.
• إذا أقبل بوجوه خلقه عليك، وتقرب بواسع الفضل إليك، أقبل عليه بكليتك ولا تلتفت إلى سواه، وأكرمه فى خلقه فى كل حال بمقتضاه ولا تشغلك النعمة عن المنعم، ولا الخلق عن الخالق، ولا الكون عن المكون. إذا أحببت أن يواجهك فأدخل على حضرته بما أنت أهله، حتى يواجهك بما هو أهله. إذا أحببت أن تعرف فتفكر من أنت قبل أن توجد، وما أنت قبل أن تحمل بك أمك، ثم أشكر المنعم على ما جملك به من مواهبه، وإحمده على ما منحك من مننه، وواجهه برتبة من الرتبتين شاكراً فاكراً، وعندها تدخل فسبح القدس الأعلى، وتأنس بمشاهدات المقربين.
• الواصل حقاً من توحد مطلوبة، ورضى بما قدره محبوبه. والعارف من تحقق فناء ما سوى الأحد، ولم يشغله مال ولا ولد. والجاهل من الأكوان مناه، ويحسب أنه يعبد الله. وإلا فمتى يمكنك أن تجمع بين رضا عدوين بلا نفاق أو مين؟ أنسك بما تميل إليه بهواك يسرك، والفرار إلى الحق دواك. استأنس بآياته ينبلج لك صبح تجلياته. استحضر بنور فكرتك نور معيته، لتشرق عليك شمس هويته. من أنت إذا تأملت بعين مستبصروبمن أنت إذا شهدت بعين مستحضر؟ ولو كشف عنك حجاب حظك، وذاب ثلج وهمك بنور فهمك، لعاينت نوراً مشرقاً به قامت الكائنات، وأضاءت الآيات.
• إذا نسى العبد ربه يتوالى الغفلة والسهو والاشتغال بغيره، عميت عين بصيرته، وأطفئت أنوار فكرته، فارتكب كبائر الرذائل وصغيرها من دناءات القبائح الحيوانية والإبليسية، وتحرى أن يأتى كل تلك الرذائل فى غيبة عن الناس. متيقناً أنه ليس وراء الناس وراء، فإذا قضى رذائله وتحقق أن أحداً من الخلق لم يطلع عليه فرح، وحصل له السرور، معتقداً أنه نال أملاً بلا معاقبة عليه ولا سؤال، وذلك من ظلمة قلبه بسخائف الحظ والهوى. وما يدرى المسكين أن الجبار المتكبر المطلع على ما تخفى الأنفس، وما توسوس به الصدور، وعلى أخفى من ذلك، أحصى ذلك وكتبه عليه، وشهد به عليه أعضاؤه والمكان الذى فعل فيه، ويعجل له العقوبة فى الدنيا. فلو أن الإنسان تأمل بعين فكرته، ونظر ببصر العبرة، لعلم أن الذى أبدع الكائنات وصرف الرياح، وسخر السحاب، وأجرى الأنهار، وزين السماوات بالشمس والقمر والنجوم، هو الذى أمر وحكم، وأن المعصية مخالفة لأمره وحكمه، وقد أوعد عليها بالعذاب والحساب. فعليك أيها الجاهل بأيام المعصية مخالفة لأمره وحكمه، وقد أوعد علها العذاب والحساب. فعليك أيها الجاهل بأيام ربك، الغافل عن مآلك ومرجعك، أن نتوب إلى الله متاباً، وترجع إليه سبحانه نادماً، وتسأله أن يقبل توبتك، ويوفقك للعمل الذى يرضاه منك، إنه يقبل التوبة عن عباده ويغفر الذنوب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبته وسلم.
• يا فتاح يا عليم، يا معطى يا وهاب. طلب ما لابد منه عبادة، والاشتغال بما خلقت له سعادة. إن كان فراغ قلبك بإدخار ما يكفيك فى غدك فالهم به لا يقدح فى زهدك.تحذرك باليقظة من الوقوع فى فتن الخلق؛ لا ينافى تحققك بالصدق.تلذذك بالقربات مع الغفلة عن شهود الآيات ليس من المجاهدات، فقد تتلذذ النفس بما هو حظ فى صورة الطاعات. إتهام النفس مع ملازمة المعاصى المحظورات دليل على التهاون فى تزكيتها بالرياضات. واتهامها فى حال التوفيق للنوافل برهان على قبول العامل. ليس التنسك بلبس الحلل الخلقة، إنما الناسك من طهر خلقه. لحظة فكر بيقين خير من عبادة سنين.
• نظر بفكر واعتبار خير من بكاء سنة من خوف النار. الخلق الحسن نسب لمرسلين، والغرور بالعلم قرب من الشياطين. علامة القرب خوف مقام القريب. سمة الحب الثقة بإجابة المجيب. من جعل مولاه وسيلة لسواه، كيف يراه؟ أو كيف يحظى برضاه؟ من كانت الجنة مناه، بعد عن مشاهدة مولاه.
• الأنس بالعاجل حرمان من الآجل، إنما يفوز بالوصول المخلص. الرغبة فيه حجاب، والرغبة عنه كفر. فمادمت راغباً فيه فالرغبة حجاب حتى تجذبك عوامل المحبة عن حول وقوة، فيجذبك معه.
• من لم يترك كثيراً مما يشتهى وقع فى كثير مما يكره.
• يجب على الإنسان العاقل أن يكون مثل الأرض فى التواضع، ومثل البحر فى الكرم، ومثل الليل فى الستر، ومثل الشمس فى المنفعة.
• قوم شغلهم بشئونه، وما نظروا بعيونه.
• مدد الفضل بالفضل. والفضل فضلان: فضـل مال، وفضل خلق، لقوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة التوبة آية 41.
• نسب إليك الأعمال، عندما شهدت نفسك فى أوج الكمال؛ وقيدك بالتكاليف، لتعلم أن هذا الشهود مخيف. زينك بجميل الصفات، لتنكشف لك بها الآيات. أنبأك ببياناته، لتتدبر فى أسرار آياته. وعدك وأوعدك، ليقربك ويبعدك. جعلك خليفة فى الأرض، لتحظى بخطابه يوم العرض. فتح لك باب الرحمة والقبول، ليسهل عليك الوصول. وشدد عليك الحساب، ليهديك إلى الصواب. فأنت مطلوب لحضرته، ومقاد بعوامل حكمته. إنما يخفى عند شهودك وإثبات وجودك، ويظهر عند فقدان أنيتك وإنعدام غيريتك. جعلك أشد العوالم احتياجاً إليه، ليدلك على التوكل عليه. أوجد لك فى معظم أعمالك غير مرادك، لتعلم أنه المريد المختار لجميع ذلك، ولينبهك إلى تفويض الأمور لإرادته، وتسليم مالك لمشيئته. إنما حجبك عنه شهود أنك لست منه، وأظهره لك تحققك بأصلك.
• أنت الحجاب وبموجبه وصل الأحباب. ليس بينك وبينه بين لأنه الظاهر ولو كشف عنك الرين لشاهدت حسنه الباهر. ليس للعقل كشف أسراره، وكيف وقد حجب عن أقداره؟! عجز العقل عن إدراك ما سيكون، فكيف يدرك المكون للكون. وهب لك نوراً تشهد آثاره التى بك أحاطت، فكيف تشهد بك أسراره التى عنك غابت. إذا انكشفت لك حقيقتك، رفعت بين العالم الأعلى مكانتك. لا تفتح على نفسك باب الشك والخلاف، فتكون عرضت نفسك للإتلاف. أنب إلى ربك مؤمناً، وأسلم له وجهك موقناً. إذا جهلت حكماً من أحكامه فتضرع فى إفهامه. أوكله إلى جهلك الأول حتى يعلمك الأول. الإسلام نهاية الاستسلام، وبه القبول والسلام. ليس لك من عملك إلا ما أخلصت النية فيه، وقليله للعامل يغنيه. إذا أنست من نفسك الخشية من الله، فتحقق بحظوته ورضاه، وإذا استأنست نفسك بالحق وإن كان ثقيلاً، واستوحشت من الباطل وإن كان لها جميلاً، فاعلم أنه اصطفاك لمشاهدته، واجتباك لخصوصيته، وإلا فجاهد نفسك وهواك. ليس الواصل من تصرف فى الكائنات، إنما الواصل من لم تشغله عن الله روضات الجنات. العبد حظه رضا مولاه، وهواه أنه سبحانه بدوام الإقبال عليه يتولاه، فكن عبداً لله، تكن ملكاً على ما سواه.
• صفاء القلب بدوام مراقبة الرب، وإنما تكون المراقبة عن وجد صادق؛ إذا كنت بعد العلم بجمالات الحق عاشق. قلب الواجد يقلب فى الجلال والجمال، بعد كشف حقيقة الحرام والحلال، فيكون القلب محفوظاً من الوسواس، والجسد مطهراً من الأدناس. اليقين حال من الشهود، والرضا فضل من الودود. إذا جملك بالوجد إليه وحلاك بالتوكل عليه فقد وافتك هدايته، وطلبتك عنايته. اليقين نور من أسرار المشاهدة، وسر من أنوار المعرفة، ومقام من مقاما الزلفى، به يحصل التحقيق ويدوم الحضور مع الحق.
• القلب وعاء الأسرار الإلهية، فلا تشغله بالآمال الكونية. صف قلبك بمراقبة الجبروت، تتوالى عليك لطائف اللاهوت. إنما يسلم بالاعتقاد من أهل للوداد، ويشك بعد التسليم من أبعده عن شهوده العدل الحكيم، ينقدح الشك فى قلوب عن الحق محجوبة، وينقدح النور فى قلوب للقرب مطلوبة. من أراد الوصول إلى حضرة المشاهدة، فليسلم للطائف الواردة. بوادر النفس تنبئ عن مقاماتها، وسوابق العزائم تبشر بنهاياتها، فمن كان الحظ بادرة حاله، فالصدود عاقبة مآله. النفوس ألواح آيات الأنوار إذا تزكت، وقرارات الأقذار إذا صدأت. الحق غنى عن الخلق والكل إلى فضله مفتقرون، فلا يشاهد أسراره إلا الموقنون. لا تخفى على الله خافية، فأخلص لذاته العلية الباطن والعلانية. حد الشرع حدوداً لتزكية النفوس، فلا تحم حول الحمى لتشرق فى قلبك الشموس. إذا تزكت نفسك بالسير على الصراط المستقيم، وصلت بفضل الله تعالى إلى النعيم المقيم. تعرض إلى منازل نظراته حتى يراك حيث يحب، ولديها يمنحك بفضله فوق ما تحب. الحب باب للشهود، فإذا أحببت فقد صح الورود.