تشطير البردة )))
للإمام أبي الهدى الصيادي رحمه الله
مولاي صل وسلم دائما أبدا** على نبيك رب التاج والعلم
مولاي جد بتحيات مباركة** على حبيبك خير الخلق كلهم
أمن تذكر جيران بذي سلم** أضعت قلبا بغير الحي لم يهم
أم من فراق النقا والساكنين به** مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة** عليلة حملت آثار عطرهم
وضج من حاجر رعد بسيرتهم*** وأومض البرق في الظلماء من إضم
فما لعينيك إن قلت أكففاهمتا** لهم وأبرزتا أسرار حبهم
وما لهمك إن قلت الفراغ طغى** وما لقلبك إن قلت استفق يهم
أيحسب الصب أن الحب منكتم** والحب في الصب طور غير منكتم
أنى يصح له كتمان لوعته** ما بين منسجم منه ومضطرم
لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل** معندما رش منك المرط للقدم
ولا علقت بأخبار اللوى ولها** ولا أرقت لذكر البان والعلم
فكيف تنكر حبا بعدما شهدت** أطواره فيك أصناف من الأمم
ويوم رمت جحودا قام بينة** به عليك عدول الدمع والسقم
وأثبت الوجد خطى عبرة وضنى** موشحين من الأشجان بالرقم
تفرقا بطراز النعت واجتمعا** مثل البهار على خديك والعنم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقني** وأن عينا كواها البعد لم تنم
آنست معنى اللقا من نار فرقته** والحب يعترض اللذات بالألم
ولا توال الهوى ترجو إزالته** إن الطعام يقوي شهوة النهم
والنفس كالطفل إن تهمله شب على** إهماله باعوجاج غير ذي قوم
مثل الرضيع فإن تتركه رعرع في** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه** زمام نفسك واصرعها وعظ ولم
واجعل جنود الهوى منها مقيدة** إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وراعها وهي في الأعمال سائمة** وانهض بها إن تراخى عزمها وقم
وروحنها على منوال طاقتها** وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
كم حسنت لذة للمرء قاتلة** وأبلعته الزؤام المحض في اللقم
تقريه بالدسم المسموم شهوتها** من حيث لم يدر أن السم في الدسم
واخش الدسائس من جوع ومن شبع*** وكن فتى وسطا كالمبصر الحزم
وخذ لصلبك لقمات يقمن به*** فرب مخمصة شر من التخم
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت*** من رؤية الغير إن الغير كالصنم
وارفق بذاتك واشكمها فقد شبعت*** من المحارم والزم حمية الندم
وخالف النفس والشيطان واعصهما*** لله وامسك بحبل الله واعتصم
واصرع هواك وما أغواك من أمل*** وإن هما محضاك النصح فاتهم
ولا تطع منهما خصما ولا حكما** في زي محتكم أو طور مختصم
وحكم الشرع واقمع فيه كيدهما*** فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
أستغفر الله من قول بلا عمل*** ومن زخارف أقوال بلا شيم
نصحت غيري ونصحي عنه بي عوج*** لقد نسبت به نسلا لذي عقم
أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به*** وما سعت بي إلى ما قلته قدمي
وما تهذب طبعي من كثافته*** وما استقمت فما قولي لك استقم
ولا تزودت قبل الموت نافلة** تعلو بها بين ركبان الحمى هممي
ولم اقم سنة من بعد أن طمست** ولم اصل سوى فرض ولم أصم
ظلمت سنة من أحيي الظلام إلى*** أن اقبل الفجر يجلو وجه مبتسم
ورأفة قيل طه بالكتاب على*** أن اشتكت قدماه الضر من ورم
وشد من سغب أحشاءه وطوى*** عزيمة لسوى الرحمن لم تقم
وقام يحمل في قدسي بردته*** تحت الحجارة كشحا مترف الأدم
وراودته الجبال الشم من ذهب*** بلابتيها تجاه البيت والحرم
كما تراود ذات الخدر سيدها*** عن نفسه فأراها ايما شمم
وأكدت زهده فيها ضرورته*** وهو العليم بأن الكرب لم يدم
أين الضرورة من سلطان عصمته**** إن الضرورة لا تعدو على العصم
فكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من** له انجلى شكلها من مهمة القدم
قامت به وهو قبل الكون علتها*** لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
محمد سيد الكونين والثقلين*** والقبيلين موصول ومنصرم
نبراس باصرة النوعين في الملأين*** والفريقين من عرب ومن عجم
نبينا الآمر الناهي فلا أحد**** إلا ومنه له سهم من النعم
بدا بحاليه محفوظ الجناب ولا*** أبر في قول لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته** لذي فؤاد كشأني بالذنوب عمى
وهو الذي يرقب الملهوف غارته*** لكل هول من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به*** وافى بهم حضرة الإحسان كلهم
رعى لهم ذمة استمساكهم ولهم*** مستمسكون بحبل غير منفصم
فاق النبيين في خلق وفي خلق*** في عالم الخلق مذ قاموا بكونهم
فلم يساوره في فضل ولا مدد*** ولم يدانوه في علم ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمس*** وبحره العذب ممدود لحزبهم
على مراتبهم يعطون نائله**** غرفا من البحر أو رشفا من الديم
وواقفون لديه عند حدهم*** ومطرقون لعز فوق علمهم
تلوى الأعنة منهم دون رتبته*** من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فهو الذي تم معناه وصورته** فوصفه بانتقاص قط لم يسم
والشمس أطلعها وضاع طلعته*** ثم اصطفاه حبيبا بارىء النسم
منزه عن شريك في محاسنه** والخلق فيه حيارى طول دهرهم
فرد تعزز عن ند يماثله** فجوهر الحسن فيه غير منقسم
دع ما ادعته النصارى في نبيهم** ونزه الله حقا عن غلوهم
واذكر نبيك أعلى الله منبره** واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف** ومن فخار ومن فضل ومن همم
وانسب إلى يده ما شئت من منن** وأنسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له** ند ونادبه في الخطب لم يضم
ولا لسلطانه الوهاج طالعه** حد فيعرب عنه ناطق بفم
لو ناسبت قدره آياته عظما*** وجانسته على منواله الفخم
ومر ذكر اسمه في دارس رمم*** أحى اسمه حين يدعى دارس الرمم
جلا بحكمته ليل الظنون لنا*** حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم
أعي الورى كنه معناه فليس يرى**** إلا بعيدا بقرب غير ذي فصم
ولم يكن لعلو في حقيقته*** للقرب والبعد فيه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعد *** قريبة لشعاع بالعيون رمي
تجلى على كبر فيها بمطلعها *** صغيرة وتكل الطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته *** من لم تكن ساعة الأخرى بهمهم
وهل يداني معاريج الدنو له ** قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
فمبلغ العلم فيه أنه بشر*** أقيم من سبحات النور في القدم
وأنه علة الأكوان أشرفها*** وأنه خير خلق الله كلهم
وكل آي أتى الرسل الكرام بها*** وكل معجزة منهم لقومهم
وكل لمعة نور في حقائقهم*** فإنما اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضل هم كواكبها*** لدى بروج جلت طمطامة العتم
اشرقن في النوبة الاولى برونقها*** يظهرن أنوارها للناس في الظلم
أكرم بخلق نبي زانه خلق*** مبارك حسن الأوصاف والشيم
بمظهر ظهرت آي الجمال به** بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كالزهر في ترف والبدر في شرف** والفجر في مستهل المنظر الوسم
والروح في اللطف والأقدار سلطنة*** والبحر في كرم والدهر في همم
كأنه وهو فرد من جلالته*** بين الجيوش من الأجناد والخدم
تظنه وهو في محراب خشيته*** في عسكر حين تلقاه وفي حشم
كأنما اللؤلؤ المكنون في صدف*** والدر منتسق في سلكه النظم
يبز ما بين منثور ومنتظم*** من معدني منطق منه ومبتسم
لا طيب يعدل تربا ضم اعظمه*** قل للمحبين موتوا في حبيبكم
واستنشقوا مسك قبر حل روضته*** طوبى لمنتشق منه وملتثم
ابان مولده عن طيب عنصره*** والناس أنموذج عن نوع أصلهم
به بدايات أسرار الهدى اختتمت*** يا طيب مبتداء منه ومختتم
يوم تفرس فيه الفرس أنهم*** مبدلون بأسر بعد ملكهم
وكل قوم طغوا منهم بنعمتهم*** قد أنذروا بحلول البؤس والنقم
وبات إيوان كسرى وهو منصدع*** ونار أشياعه أجت بفودهم
وكسر دوله كسرى بعد شوكته*** كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من اسف** حزنا على أنها شبت لشركهم
طم اللهيب بها من عظم ما لطمت*** عليه والنهر ساهى العين من سدم
وساء ساوة أن غاضت بحيرتها*** وأهلها خاب منهم حسن ظنهم
فشد صادرها إزرا على عطش*** ورد واردها بالغيظ حين ظمى
كأن بالنار ما بالماء من بلل*** وفي الهواء أجيج زم من سجم
وفي التراب انقلاب عن خميرته** حزنا وبالماء ما بالنار من ضرم
والجن تهتف والانوار ساطعة** رغما لكل كفور بالضلال عمى
والصدق يبرز من بطن الخفا علنا*** والحق يظهر من معنى ومن كلم
عموا وصموا فإعلان البشائر لم** يفدهموا غير محض الطمس والصمم
كأن ضجة آيات البشارة لم*** تسمع وبارقة الإنذار لم تشم
من بعدما أخبر الأقوام كاهنهم*** وقال عرافهم في قطع حبلهم
وراح يجزم منهم كل ذي نظر*** بان دينهم المعوج لم يقم
وبعد ما عاينوا في الأفق من شهب*** تنحط ما بين مغموم ومضطرم
من ثابتات رأوها في بصائرهم*** منقضة وفق ما في الأرض من صنم
حتى غدا عن طريق الوحى منهزم*** يتلوه منقصم من بعد منقصم
من كل مسترق للسمع منخذل*** من الشياطين يقفوا إثر منهزم
كأنهم هربا أبطال أبرهة*** مذ شتت الشمل منهم صرع فيلهم
أو جحفل بتراب كف اعينهم** أو عسكر بالحصى من راحتيه رمي
نبذا به بعد تسبيح ببطنهما*** كالسر ينبذ فيه نطق مكتتم
حكى الحصى حينما ذرته راحته*** نبذ المسبح من أحشاء ملتقم
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة*** سجود معتكف للركن ملتزم
وأقبلت ويد الاقدار تجذبها*** تمشى إليه على ساق بلا قدم
كأنما سطرت سطرا لما كتبت*** اصولها من معاني بأسه العزم
كأنما الأرض لوح زان أسطره*** فروعها من بديع الخط باللقم
مثل الغمامة أنى سار سائرة*** بخيمة فوقه من أبهج الخيم
تمد ظلا رقيقا فوق منظره*** تقيه حر وطيس للهجير حمي
أقسمت بالقمر المنشق إن له*** معنى تضيق له الأرقام بالقلم
ونسبة بانشقاق البدر مد لها*** من قلبه نسبة مبرورة القسم
وما حوى الغار من خير ومن كرم*** ومن علوم ومن فضل له عمم
وما أحاط به من لطف بارئه*** وكل طرف من الكفار عنه عمي
فالصدق في الغار والصديق لم يرما*** وليس من صانه الرحمن بالوجم
هما بمهد أمان ضمن غارهما*** وهم يقولون ما بالغار من ارم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على*** حكم الطبيعة لم تبرح لغيهم
نعم على غير غار الطهر سيدنا*** خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفة*** من مثلهم وجيوش فوق جيشهم
كفت يد العون عن زرق مصفحة*** من الدروع وعن عال من الأطم
ما سامني الدهر ضيما واستجرت به*** إلا وقام بحق الحب والرحم
ولا فزعت له من ضيم نائبة*** إلا ونلت جوارا منه لم يضم
ولا التمست غنى الدارين من يده**** إلا ورحت ندي الكف بالنعم
ولا تشبثت في أذيال دولته*** إلا استلمت الندى من خير مستلم
لا تنكروا الوحي من رؤياه إن له*** في الحالتين انطلاق البرق في الظلم
يسري بروح حوت في طي قالبها*** قلبا إذا نامت العينان لم ينم
فذاك حين بلوغ من نبوته*** وللنبيين هذا في بلوغهم
وفي البلوغ رأوه شيخ موكبهم*** فكيف ينكر منه حال محتلم
تبارك الله ما وحي بمكتسب** لكنه محض سر الفضل والكرم
فلا رسول مريب في رسالته** ولا نبي على غيب بمتهم
كم أبرأت وصبا باللمس راحته*** أبو البتول وأحيت ميت السقم
وقيدت شاردات المجد همته*** وأطلقت اربا من ربقة اللمم
وأحيت السنة الشهباء دعوته** من بعد أن سقطت في وهدة العدم
أفاض من نوره فيها فنورها** حتى حكت غرة في الأعصر الدهم
بعارض جاد أو خلت البطاح بها** هدارة بعريض النيل منسجم
كأنما بحجون والصفا ومنى** سيب من اليم أو سيل من العرم
دعني ووصفي آيات له ظهرت** فضاء للرسل فيها أفق سعدهم
جلت بمظهرها للناس يوم بدت** ظهور نار القرى ليلا على علم
فالدر يزداد حسنا وهو منتظم** وإن تساوى مع المنثور بالقيم
لا النظم يعليه قدرا عن حقيقته** وليس ينقص قدرا غير منتظم
فما تطاول آمال المديح إلى** نعوت سر الوجود الثابت القدم
من بعد أن نص آيات الكتاب على** ما فيه من كرم الأخلاق والشيم
آيات حق من الرحمن محدثة** كالدر نظم في سمط من الكلم
مواهب قبل كون الكون بارزة** قديمة صفة الموصوف بالقدم
لم تقترن بزمان وهي تخبرنا** أخبار حق علا عن وصمة التهم
عن كل آت وماض نص معلمها** عن المعاد وعن عاد وعن إرم
دامت لدينا ففاقت كل معجزة** للمرسلين وبرهان لحزبهم
لا تنقضي كصنوف المعجزات مضت** من النبيين إذ جاءت ولم تدم
محكمات فما يبقين من شبه** لما حكمن به من محكم الحكم
ولا يدعن طريقا في محاكمة** لذي شقاق ولا يبغين من حكم
ما حوربت قط إلا عاد من حرب** وليها صابغا أعداءه بدم
ما غولبت في وغى إلا رأيت به** أعدى الأعادي إليها ملقي السلم
ردت بلاغتها دعوى معارضها** بعد البلاغ رفيق الحزن والسدم
وردت الجاحد المحتج حجتها** رد الغيور يد الجاني عن الحرم
لها مكان كموج البحر في مدد** يرمي بفوجين منهل ومنسجم
ففوق سلطانه سلطان حكمتها** وفوق جوهره في الحسن والقيم
فما تعد ولا تحصى عجائبها** كأنها طالعات الزهر في الظلم
فلا تمس يد الإقلال رونقها** ولا تسام على الإكثار بالسأم
قرت بها عين قاريها فقلت له** قر بالأمان وفي ظل بالنبي نم
وقم دجى الليل واقرأ حزبها فيها** لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
إن تتلها خيفة من حر نار لظى** أمنت لا ريب من نار ومن ضرم
وإن ذكرت بها الرحمن متثقا** أطفأت حر لظى من وردها الشيم
كأنها الحوض تبيض الوجوه به** يوم القدوم على خلاقها الحكم
تحيي به أنفس يزهي عناصرها** من العصاة وقد جاؤه كالحمم
وكالصراط وكالميزان معدلة** حكما على ما مضى في اللوح والقلم
مصونة من غبار الظلم طاهرة** فالقسط في غيرها للناس لم يقم
لا تعجبن لحسود راح ينكرها** إن الحسود عدو الفضل والنعم
رآى هداها وأغضى غير مكترث** تجاهلا وهو عين الحاذق الفهم
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد** وينكر الشيخ فعل الكهل من هرم
وينكر الأكمه الأشكال من كمه** وينكر الفم طعم الماء من سقم
يا خير من يمم العافون ساحته** وأمه زمر القصاد لتكرم
وحج أبطال أهل الله مرقده** سعيا وفوق متون الانيق الرسم
ومن هو الآية الكبرى لمعتبر** ومن هو الملجأ الأعلى لمعتصم
ومن هو المنة الوفرى لمفتقر** ومن هو النعمة العظمى لمغتنم
سريت من حرم ليلا إلى حرم** إلى مقام علا عن فكرة الهمم
وسرت تكشف سر الأفق مرتفعا** كما سرى البدر في داج من الظلم
وبت ترقى إلى أن نلت منزلة** لم ترق بالوهم فضلا عن قوى القدم
منيعة برحاب القدس دانية** من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
وقدمتك جميع الأنبياء بها** كما تقدمتهم في عالم القدم
ذا في النبيين تقديم أبنت به** والرسل تقديم مخدوم على خدم
وأنت تخترق السبع الطباق بهم** سلطان كبكبة سارت بجندهم
ضمن السرادق والأنوار مطبقة** في موكب كنت فيه صاحب العلم
حتى إذا لم تدع شأوا لمستبق** في مصدر وورود من صدورهم
ولا تركت مقاما يستقر به** من الدنو ولا مرقى لمستنم
خفضت كل مقام بالإضافة إذ** فتحت باب الهدى فردا بجمعهم
جزمت ميم المنى عن لاحقيك كما** نوديت بالرفع مثل المفرد العلم
كما تفوز بوصل أي مستتر** عن علم كل عليم من فحولهم
وكي ترى نور قدس أي محتجب** عن العيون وسر أي مكتتم
فحزت كل فخار غير مشترك** وكل سهم نوال غير مقتسم
وطلت كل مطال غير مطلع*** وجزت كل مقام غير مزدحم
وجل مقدار ما وليت من رتب** شم وأوليت من عفو لمجترم
وأعظم الله ما أدركت من عظم** وعز إدراك ما أوليت من نعم
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا** مواهبا فوق حصر الخط والرقم
بنى لنا الله بالمختار سيدنا** من العناية ركنا غير منهدم
لما دعى الله داعينا لطاعته** ونحن سرنا بذاك الإثر والقدم
واحكم الله فينا حكم سنته** بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم
راعت قلوب العدا أنباء بعثته** بطارق من أفانين القضا صدم
جاءتهمو فأخافتهم طوارقها** كنبأة أجفلت غفلا من الغنم
ما زال يلقاهم في كل معترك** يرد كيدهم فيه لنحرهم
يدير فيهم مناياهم ويصرعهم** حتى حكوا بالقنا لحما على وضم
ودوا الفرار وكادوا يغبطون به** قرون قوم عفوا من شر أهلهم
تظنهم وخيول الله تلحقهم** أشلاء شالت مع العقبان والرخم
تمضي الليالي ولا يدرون عدتها** لما بهم من توالي نار حربهم
كأن تلك الليالي لا تمر بهم** ما لم تكن من ليالي الاشهر الحرم
كأنما الدين ضيف حل ساحتهم** فهد ركنا منيعا من مشيدهم
وجاءهم ولواء النصر يقدمه** كل قرم إلى لحم العدا قرم
يجر بحر خميس فوق سابحة** بفتكة فول فتك الصارم الخذم
يجري بسيال آساد مدرعة*** يرمي بموج من الأبطال ملتطم
من كل منتدب لله محتسب*** رام بسهم بنار البأس مضطرم
يصول كالقدر المنقض من أفق** يسطو بمستأصل للكفر مصطلم
حتى غدت ملة الإسلام وهي بهم*** في مشهد شامخ الأركان محترم
عزيزة بحصون السعد ريضة*** من بعد غربتها موصولة الرهم
مكفولة ابدا منهم بخير أب*** وخير عم كريم الطور والشيم
وخير إلف غيور من ذوي حسب*** وخير بعل فلم تيتم ولم تئم
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم** وهم على الشهب من باد وملتثم
يوم العراك ونار الموت شاعلة*** ماذا رآى منهم في كل مصطدم
وسل حنينا وسل بدرا وسل أحدا*** وخيبرا يوم هدوا ركن خصمهم
وسل حصونا دعوها لا رسوم لها*** فصول حتف لهم أدهى من الوخم
ألمصدري البيض حمرا بعد ما وردت*** عيون أوداج قوم من عدوهم
ألموردي الزان كالبرق الملح دجى*** من العدى كل مسود من اللمم
والكاتبين بسمر الخط ما تركت*** اكفهم صحفا إلا لدينهم
لم تبق في كل جلد من معارضهم*** أقلامهم حرف جسم غير منعجم
شاكي السلاح لهم سيما تميزهم*** أكرم بذي رأفة بالفتك متسم
قد مازهم باجتثاث الظلم عدلهم*** والورد يمتاز بالسيما عن السلم
تهدي إليك رياح النصر نشرهم*** فيملأ الكون طيبا طيب نشرهم
يمر عسكرهم والفتح يكنفه*** فتحسب الزهر في الأكمام كل كمي
كأنهم في ظهور الخيل نبت ربى*** أو كالرواسي بناها طول حزمهم
رسوا على الجرد أوتادا مطنبة** من شدة الحزم لا من شدة الحزم
طارت قلوب العدا من بأسهم فرقا*** أجل على الضد سم مس بأسهم
راعوا عقول أعاديهم بسطوتهم*** فما تفرق بين البهم والبهم
ومن تكن برسول الله نصرته*** فذاك لا شك من كل الهموم حمي
تراه والنصر يجلى فوق جبهته** إن تلقه الأسد في آجامها تجم
فلن ترى من ولي غير منتصر** بجاهه ضمن حصن أي معتصم
ولا محب صدوق غير متصل*** به ولا من عدو غير منقصم
أحل أمته في حرز ملته*** وصانهم وكفاهم شر وزرهم
تراه وهو بهم في سوح رأفته*** كالليث حل مع الأشبال في الأجم
كم جدلت كلمات الله من جدل*** ذي منطق فيه حتى صار كالبكم
وكم أقيمت براهين لمعتقد** فيه وكم خصم البرهان من خصم
كفاك بالعلم في الأمي معجزة*** عظيمة هي فوق العلم بالعظم
جلته بداراً زها بالفضل أبرزه*** في الجاهلية والتأديب في اليتم
خدمته بمديح أستقيل به** وزرا كساني من فرعي إلى قدمي
وأمحون بذكري نور طلعته*** ذنوب عمر مضى في الشعر والخدم
إذ قلداني ما تخشى عواقبه*** من حمل جرم به أصبحت لم أقم
وقيداني بقيد منهما وأنا*** كأنني بهما هدي من النعم
أطعت غي الصبا في الحالتين وما ***صحوت إلا على أثقال مجترم
وراح وقتي سدى في المذهبين وهل*** حصلت إلا على الآثام والندم
فيا خسارة نفس في تجارتها ***تبغي المكاسب كالسارين في الحلم
طاشت فلا رأس مال تقتنيه كما*** لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم
ومن يبغ آجلا منه بعاجله** هو الذي استبدل الأنوار بالظلم
وبعد كشف غطاء عن بصيرته*** يبن له الغبن في بيع وفي سلم
إن آت ذنبا فما عهدي بمنتقض*** من الرسول ولا وجهي بمهتضم
ولا ولائي وميثاقي بمنقطع*** من النبي ولا حبلي بمنصرم
فإن لي ذمة منه بتسميتي*** بإسمه وإليه ينتهي رحمي
أبو الهدى كنيتي والإسم أذكره*** محمدا وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي*** وراحمي يا عنا قلبي ويا ندمي
وإن تكن لم تقلني عثرتي بغد*** فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه*** ومنه في الخلق فاضت أبحر الكرم
أنى يرى عبده ردا بساحته****** أو يرجع الجار منه غير محترم
ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه*** غنيت فيه عن الأنصار واللزم
ومذ لزمت بصدقي باب منته*** وجدته لخلاصي خير ملتزم
ولن يفوت الغنى منه يدا تربت*** ولا مواهبه تعدو أولي العدم
تحيي قلوبا عفت أنواء رأفته*** إن الحيا ينبت الأزهار في الأكم
ولم أرد زهرة الدنيا التي اقتطفت*** نفسيها أمم زلوا بمدحهم
ولم أرم بدر الورق التي جمعت*** يدا زهير بما أثنى على هرم
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به*** وصرت للضنك والأكاد كالعلم
وليس لي إمام الرسل من سند*** سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي*** إن أبخس الخصم طيشا في الورى قيمي
ولن أرى الضيم إن أوليتني نظرا*** إذا الكريم تحلى باسم منتقم
فإن من جودك الدنيا وضرتها*** وأنت أكرم من يمشي على قدم
فمن فهومك تفسير الكتاب بدا*** ومن علومك علم اللوح والقلم
يا نفس لا تقنطى من زلة عظمت*** ولا زمى باب باب الله واعتصمى
ولا تراعى وحسن الظن فادخري*** إن الكبائر في الغفران كاللمم
يا رب فاجعل رجائي غير منعكس*** ومنك حبل ظنوني غير منصرم
واجعل سفاسف أعمالي منزهة*** لديك واجعل حسابي غير منخرم
والطف بعبدك في الدارين إن له** عزما على غير سوء الحال لم يقم
أقام بالطبع تسويفا وأرفقه*** صبرا متى تدعه الأهوال ينهزم
وأذن لسحب صلاة منك دائمة** تسقي بيثرب قبر الطاهر الشيم
ما رنحت عذبات البان ريح صبا*** وفاح من آل طه عطر ذكرهم
تمدها أبحر التسليم وافدة*** على النبي بمنهل ومنسجم
ما رنحت عذبات البان ريح صبا*** وفاح من آله طه عطر ذكرهم
وأشبع الركب من مدح الصحاب شذا ***وأطرب العيس حادي العيس بالنغم