الكواكب الدرية تسبيع البردة البوصيرية )
القاضي البيضاوى رحمه الله
الله يعلم ما بالقلب من ألم * ومن غرام بأحشاء ومن سقم
على فراق فريق حل في الحرم * فقلت لما همى دمعي بمنسجم
على العقيق عقيقا غير منحسم
أم تذكر جيران بذي سلم * مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
الله لوع أحشائي بضارمة * لا ينطفى حرها يوما بساجمة
وكم سألت ونفسي غير سالمة *هل جاء فيح قبا منها بناسمة
أمن لواعج أشواق ملازمة
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة *وأومض البرق فى الظلماء من إضم
الله أفهم قلبى منذ كنت فتى *فلا ترانى لغير الحب ملتفتا
متى خلا منهم طى الضمير متى *كم عاذل عاد لى بالعذل ما سكتا
وصاحب صاح بى لما إلى أتى
فما لعينيك إن قلت أكففا همتا * وما لقلبك إن قلت استفق يهم
الله يشهد أن الصب منكظم *من الغرام وفى أحشائه ألم
كأن فاه من الكتمان ملتجم* ودمع عينيه من جفنيه منسجم
من حر نار لها فى قلبه ضرم
أيحسب الصب أن الحب منكتم*مابين منسجم منه ومضطرم
الله يُذْهِبُ ما بالقلب من عَللٍ*ومن سِقامٍ حشا الأحشاء من غُللٍ
ومن دموع جرحن الخد من بلل*بزورة لفريد حل فى حلل
إن حلها مذنب أخلته من خلل
لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل*ولا أرقت لذكر البان والعلم
الله يطفئ نارا بالحشا إتقدت*أسلت دمعى من الأجفان ماخمدت
أشار قلبى لطرفي عندما وردت*شهود وجدى على خدى بما وَجَدْتّ
وكم إشارة وجد منك قد وُجِدْتّ
فكيف تنكر حبا بعدما شهدت*به عليك عدول الدمع والسقم
الله يرحم صباً في الهوا افتتنا *ما حالف السهد حتى خالف الوسنا
وأنت تخفى الهوى والوجد والحزنا*أليس قد فهت عن أسرارهم علنا
وقلت قد نلت من هجرانهم محنا
وأثبت الوجد خطى عبرة وضنى *مثل البهار على خديك والعنم
الله عن حى أهل الحي أفرقني*وهمّ همي بأحزاني يحرقني
والغمُ عمَ وهمع الدمع أغرقني*فقلت لما أتى نومي ليسرقني
والطيف ضيفي أتى باللطف يطرقنى
نعم سرى طيف من أهوى فأرقني*والحب يعترض اللذات بالألم
الله ألقى أمورات مقدرة *في لوحه قِدَماً كانت مسطرة
قلوب أهل الهوى أضحت مكسرة*دموعهم بالدِمَاَ باتت مكدرةً
رجالهم أصبحت بالوجد مخبرة
يا لائمي في الهوى العذري معذرة*منى أليك ولو أنصفت لم تلم
الله لوعني بالحب من صغري* فلا مفر من المحتوم في القدر
إلى متى اللوم يا خالي من الفكر*ألا ترى الدمع من عيني كالمطر
والجسم ذاب من التبريح والغير
عدتك حالي لا سري بمستتر*عن الوشاة ولا دائي بمنحسم
الله سر الهوى في القلب يودعه*من ذا الذي يا لئيم اللوم يمنعه
يا لائمي كف قلب الصب يوجعه*من الملام وليس اللوم يمنعه
سألتك الله إن اللوم يصدعه
محضتني النصح لكن لست أسمعه*إن المحب عن العذال فى صمم
الله أرجوه بالتوحيد يختم لى*عند الممات وهذا منتهى أملي
مضى زماني ولم أصلح به عملى*وجاء نصحى مشيب الرأس من أجلى
ولست أصغى لنصح من واخجلي
إني اتهمت نصيح الشيب فى عذلى *والشيب أبعد فى نصح عن التهم
الله يلهم نفسي الرشد إن وعظت*ويصطفيها بقول الصدق إن لفظت
كم ذا وعظت وهى للوعي ما لحظت*وكلما قلت رقى للنهى غلظت
وفي مراح الهوى نامت وما يقظت
فإن أمارتى بالسوء ما اتعظت *من جهلها بنذير الشيب والهرم
الله يحجب عنها الحجب والبطرا*لأنها تركتني في الهوا سمرا
عجزت فى أمرها كم أقدح الفِكَرا*وليس تقرأ لي من قبلها سطرا
من الملوك وأهل العلم والفقر
ولا أعدت من الفعل الجميل قرى*ضيف ألم برأسى غير محتشم
الله أرجوه أن الذنب يغفره*وكسر قلبي بالغفران يجبره
مضى زمان الصبا والله يستره*وجاء شيبي الذى قد كنت أحذره
مخبرا أن عمري راح أكثره
لوكنت أعلم أنى ما أوقره*كتمت سرا بدا لى منه بالكتم
الله يحرس نفسي من عمايتها *لعلها تحظى بخير فى نهايتها
كم حملتني ذنوبا في بدايتها*وكم تروم مزيدا عن كفايتها
وليس تأمر خيرا في ولايتها
من لي برد جماح من غوايتها *كما يرد جماح الخيل باللجم
الله يحفظها من سوء كبوتها*بهوة اللهو إذ تهوي لشقوتها
هنها وذرها ولا تركن لذروتها*وإن دعتك لأمر دع لدعوتها
فهي التي أحرقتني سوء قسوتها
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها* إن الطعام يقوى شهوة النهم
الله يرفع عنها العجب والكسلا*لأنها ألبستني في الهوي حللا
فلا تدعها تسير العجب والخيلا*وكن عن اللهو يا مغرور منعزلا
واسمع لما قال فيها شيخنا مثلا
والنفس كالطفل إن تهمله شب على* حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
الله أتاك عقلا كي تعليه *على هوى النفس رخصها لتغليه
ونوره فاجتهد حتى تجليه* على فؤادك واحذر أن تخليه
من زينة الزهد فيها كى تحليه
فاصرف هواها وحاذر أن توليه*إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
الله أكبر إن النفس ظالمة* لأنها بأمور الشر عالمة
تروم لو أنها للعقل خاصمة*فاحذر عليها إذا ما هي مخاصمة
واعكس رضاها لأن النفس آثمة
وراعها وهى في الأعمال سائمة*وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
الله يؤتيك في الدارين نافلة*إن رجعت عنك نفسا منك خاتلة
فإنها لم تزل للغش مائلة*فجنب القلب يا مغرور غائلة
منها ودعها مدى الأيام خاملة
كم حسنت لذة للمرء قاتلة * من حيث لم يدر أن السم في الدسم
الله يخليك من حب ومن خدع *إن كنت للنصح يا هذا بمستمع
كم أكلة أهلكت من غير ما وجع*وجوعة فتكت في الخلق من ورع
فكن بما جاء من قوت بمقتنع
واخش الدسائس من جوع ومن شبع*فرب مخمصة شر من التخم
الله يرضى إذا ما النفس قد ملئت*خوفا ورعبا وتخليصا بما هدأت
وأن ترم أنها مما بها برئت*وإن تراها بغير الله قد كلئت
فحثها للتقى حثا وإن خلأت
واستفرغ الدمع من عين قد إمتلأت*من المحارم والزم حمية الندم
الله يرفع عنها الضر والألم *إن أنت حققت مما يأتى به نعما
وإن تكن بجميل الستر معتصما*فقدم الخوف واجعل همك الندما
ومقلتيك على التفريط سحهما
وخالف النفس والشيطان واعصهما*وإن هما محضاك النصح فاتهم
الله يخزيهما كم أقسما قسما*بالله زورا وكم للقلب قد قصما
فاحذرهما فهما كم هتكا حرما*للخلق بالملق لا بالحق ابتسما
وكن إذا حكما للحكم متهما
ولا تطع منهما خصما ولا حكما*فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
الله يعفو بفضل منه عن زلل*وعن خطايا عظيمات وعن خلل
جنيتها في زمان ضاع في كسل*فكن على زمن التفريط وجل
ولا تمل نحو ما قد طال من أمل
أستغفر الله من قول بلا عمل* لقد نسبت نسلا لذى عقم
الله يحميك من ريب ومن شبه*إن كنت للنصح يا هذا بمنتبه
وتسمع الوعظ كي تحظى بمشربه*إن تسع ما خاب ساع في تسببه
ودع قليب المعنى تلهبه
أمرتك الخير لكن ما أئتمرت به* ولا استقمت فما قولي لك استقم
الله يجعل هذى النفس قابلة*للخير والرشد والإنصاف مائلة
لعل تأمن يوم الحشر غائلة*إذا أتيت وكم حملت راحلة
من الذنوب وكم أوسقت زاملة
ولا تزودت قبل الموت نافلة*ولم أصل سوى فرد ولم أصم
الله يذهب عنى الوجد والجلا*إذا أتيت ليوم حل فيه بلا
وقيل هذا الذى لم يسلك السبلا*أقول يا رب ها قد جئت مبتهلا
وليس قدمت لي علما ولا عملا
ظلمت سنة من أحيا الظلام الي*أن اشتكت قدماه الضر من ورم
الله أواه لما أن إليه أوى*فليس ينطق في أحكامه بهوى
وليس عن غير مولاه الكريم روى*وعظم الفضل أن الله عنه زوى
جمع الحطام ولو رام الكنوز حوى
وشد من سغب أحشاءه وطوى *تحت الحجارة كشحا مترف الأدم
الله والاه ما يهواه من رتب*وزاده رفعة فى العلم والأدب
نعم وجاءته دنيانا بلا تعب*أشاح عنها ولم يركن الى رغب
وعاش فيها قليل المال والنشب
وراودته الجبال الشم من ذهب *عن نفسه فأراها أيما شم
الله خيره فالخير خيرته*والعدل والبذل والإحسان سيرته
والعفو والصفح والإنصاف ميرته*كم كان يطوي وفي الإنعام جيرته
وليس تصبو لدنيانا سريرته
وأكدت زهده فيها ضرورته *إن الضرورة لا تعدو على العصم
الله زينه بالحسن فهو حسن *لما لمولاه في كل الأمور ركن
أوى الى الله في سر له وعلن*لا يبتغى من ديار الموت منذ سكن
سوى الحلال لقوت أو لستر بدن
وكيف تدعو إلي الدنيا ضرورة من*لولاه لم تخلق الدنيا من العدم
الله بالمدح للمختار منّ علىّ*عسى يرى لي بين المادحين حلى
إذا أتيت لأقرأ الصحف من عملي*مالي سوى من له فضل يشير إلىّ
هو الذى لم يشب وجه القبول علىّ
محمد سيد الكونين والثقلين*والفريقين من عرب ومن عجم
الله رب العلى بالحكم مفرد *لا زوج لا والد كلا ولا ولد
أوحى إلى الرسل آيات لها مدد*يفيض منها علوم كلها رشد
وكلهم برسول الله معتمد
نبينا الآمر الناهى فلا أحد*أبر في لا منه ولا نعم
الله كرمه فالبر طاعته*وليس في الخلق من أوتى براعته
أتى بخير فنالته جماعته*وفي القيامة تحمينا ضراعته
كما حمتنا من الأعدا شجاعته
هو الحبيب الذى ترجى شفاعته*لكل هول من الأهوال مقتحم
الله رب تعالى في تحجبه* بدا بخلق نبى يستضاء به
ما زال مستترا في حجب غيهبه*حتى أتى وجميع الناس في شبه
فقام فينا بدين غير مشتبه
دعا إلي الله فالمستمسكون به*مستمسكون بحبل غير منفصم
الله نجى به نوحا من الغرق *كذاك نجى لإبراهيم من حرق
أقسمت بالله رب الناس والفلق*وحق من خلق الإنسان من علق
إن الذي أخجل الأقمار في غسق
فاق النبيين في خلق وفى خلق*ولم يدانوه في علم ولا كرم
الله أرسله والعلم مندرس *والناس في فترة والوقت منعكس
أتي بنور الهدى والأمر ملتبس*وجاد بالجود حيث الجود منحبس
فما من الرسل إلا منه مقتبس
وكلهم من رسول الله ملتمس *غرفا من البحر أو رشفا من الديم
الله جاعله بحرا لمدهم *فمذ صفا قد صفا مشروب وردهم
جميعهم شربوا منه بجهدهم *فنالهم وجد سامي فوق وجدهم
فلازموا مذهب الهادي قصدهم
وواقفون لديه عند حدهم *من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
الله كمل من في الله غيرته*ولم تزل في رضى المولى بصيرته
وليس تبدو لراجيه ضرورته*وفرقت عصب الأحزاب سورته
من بعد ما حقق اليأسا عشيرته
فهو الذي تم معناه وصورته*ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم
الله ملكه أعلى خزائنه *فاستخرج الدر يزهو من معادنه
وزعزع الشرك حقا من مساكنه*ودمر الكفر في أقصى أماكنه
نعم وجاد علينا من ميامنه
منزه عن شريك في محاسنه *فجوهر الحسن فيه غير منقسم
الله أحيا بإحياهم لحيهم*من بعد ما هلكوا جمعا بغيهم
لما أتوه حيارى بعد عيهم*لم يرجعوا منه إلا بعد ريهم
زها وزاد مزايا فوق زيهم
دع ما ادعته النصارى في نبيهم*واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
الله صفى لقلب المصطفى فصفى*وزاده رفعة من فوق كل صفى
نعم وصرفه فى الكائنات وفي *جنات عدن بها للمؤمنين يفي
فزده مدحا فإن الفضل غير خفي
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف*وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
الله أوحى إليه حين كمله*أمين وحى بذكر منه أنزله
وبالغمامة أنى صار ظلله*وبالمهابة والتبجيل جلله
وللشفاعة يوم البعث أهله
فإن فضل رسول الله ليس له*حد فيعرب عنه ناطق بفم
الله أنزل في آياته حكما *على النبيين ألقوها إلى العلما
وكلهم أطنبوا في مدحه قدما*وحاولوا أن يكونوا للنبى خدما
لكن به الله عقد الرسل قد ختما
لو ناسبت قدره آياته عظما *أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
الله خوله في كنز مطلبه*لما رآه فريدا في تطلبه
وزاده رفعة في عز منصبه*فواضح الحق في منهاج مذهبه
فمذ أتانا بدين غير مشتبه
لم يمتحنا بما تعيا العقول به*حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم
الله كرر في تبجيله السورا*وألبس الشمس منه النور والقمرا
وأخجل البحر من يمناه والمطرا*فهاك عذري فكم مثلي اعتذرا
إن الذي أعجز المداح والشعر
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى*في القرب والبعد فيه غير منفحم
الله ناصره بالرعب والمدد*أنى يكن حوله شهرا لمطرد
كسرى وقيصر كانا منه في رعد*وإن بدا مفردا يوما على أحد
ظنوه في جحفل بالخيل والعدد
كالشمس تظهر للعينين من بعد*صغيرة وتكل الطرف من أمم
الله قبل الورى أبدى خليقته*والرسل والأنبيا راموا طريقته
كم أرمد قد شفي مذ مس ريقته*تالله إن الدنا كانت طليقته
ونفسه في رضا المولى رفيقته
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته *قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
الله آتاه سرا فهو مستتر *ما العقل فى كنهه ما الفهم ما الفكر
ما الفجر من نوره ما الشمس ما القمر*ما الظل في جوده ما البحر ما المطر
من شاء يطنب أو من شاء يختصر
فمبلغ العلم فيه أنه بشر *وأنه خير خلق الله كلهم
الله ملكه العليا بأطنبها*وكان عمدتها في وسط مطلبها
وفاز من حضرة المولي بأقربها*منه النبوة مبدأ عز منصبها
وهو الذي قد أتى ختما لموكبها
وكل آي أتى الرسل الكرام بها*فإنما اتصلت من نوره بهم
الله قدر أن تجلى غياهبها*فأرسل الرسل فانجابت سحائبها
أتوا بآي فلا تحصى عجائبها*لكن خير الورى في الأصل صاحبها
ومن ضيا نوره تزهو ثواقبها
فإنه شمس فضل هم كواكبها *يظهرن أنوارها للناس في الظلم
الله منه إلينا الخير مستبق*على لسان نبي وجه طلق
فالشمس من نوره والبدر والفلق*والمسك من ريحه في الأفق يعتبق
والجود من كفه في الخلق مندفق
أكرم بخلق نبي زانه خلق *بالحسن مشتمل بالبشر متسم
الله جاعله عونا لملتهف*في كل حالاته سترا لمكتنف
إن رمت تشبيهه المروى عن سلف*لينا وحسنا ومنهلا لمغترف
وعزمة ألقت الكفار في تلف
كالزهر في ترف والبدر في شرف*والبحر في كرم والدهر في همم
الله شاهد منه حسن حالته*حتى إصطفاه ختاما في رسالته
وأنزل الذكر في معنى مقالته*وإن بدا وهو يزهو في علالته
ترى الصناديد تخشي من بسالته
كأنه وهو فرد من جلالته *في عسكر حين تلقاه وفي حشم
الله مكنه في ذروة الشرف*لما رأى منه من لين ومن عطف
وحسن عطف على جان ومقترف*هو المصرف في الجنات والغرف
ومدحه قد أتى في سائر الصحف
كأنما اللؤلؤ المكنون في صدف*من معدنى منطق منه ومبتسم
الله بالمدح في التنزيل كرمه*من قبل إيجاده والرسل أخدمه
وفي القيامة رب العرش حشمه*وقبره حرم والله عظمه
فيا له حرم ما صار أعظمه
لا طيب يعدل تربا ضم حضرته *طوبى لمنتشق منه وملتثم
الله نرجوه يروينا بكوثره*إذا أتينا جميعا تحت منبره
هو الذي نسله سادوا بمفخره*كذاك آباؤه سادوا بمنوره
نعم وظاهره ينبي بمضمره
أبان مولده عن طيب عنصره*يا طيب مبتدأ منه ومختتم
الله قد منع الكهان جنهم*لما أتى النور في ليل أجنهم
وبالهدى عن طريق الزيغ عنهم*فحققوا كل ما قد كان ظنهم
وأيقنوا أنهم يخلون كنهم
يوم تفرس فيه الفرس أنهمو *قد أنذروا بحلول البؤس والتقم
الله يعلم أن الخير مجتمع*فيه وفيه التقى والزهد والورع
لما رأى نوره في الكون يرتفع*الموبذان تولى وهو مرتدع
وقال لابد هذا الملك ينتزع
وبات إيوان كسرى وهو منصدع *كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
الله حيرهم في ظلمة السدف*لما بدا سيد الأشراف والشرف
أتى الموكل بالنيران في شغف*وقال جاء الذي تخشون من تلف
وماء ساوة بعد الجري في نشف
والنار خامدة الأنفاس من أسف*عليه والنهر ساهي العين من سدم
الله قدر أن تطفى جميرتها*وظن فارس أن تحمى نويرتها
لم تدر إلا وعمتها جويرتها*وأيقنت أنها تخلى دويرتها
أما البحيرة قد جفت جويرتها
وساء ساوة أن غاضت بحيرتها*ورد واردها بالغيظ حين ظمي
الله أشغلهم بالنار والشعل*وهم يظنون هذا أفضل العمل
حتى أتى سيد الأكوان والرسل*فأصبح القوم في وجد وفي وجل
وأرض ساوة بعد الخصب في محل
كأن بالنار ما بالماء من بلل*حزنا وبالماء ما بالنار من ضرم
الله آياته بالحق رادعة*للمتقين وللكفار قامعة
منها الملا في العلا لله خاضعة*وجنة الخلد بالأزهار يانعة
وأهل ملته في الجود طامعة
والجن تهتف والأنوار ساطعة*والحق يظهر من معنى ومن كلم
الله في لوحه أجرى خطوط قلم*لم يظلم الله مخلوقا أسا وظلم
بل إنهم خبطوا بالجهل وسط ظلم*باعوا الجنان وما فيها ببخس سلم
ولم يروا نوره المشهور فوق علم
عموا وصموا فإعلان البشائر لم*تسمع وبارقة الإنذار لم تشم
الله أرسل خير الرسل يأمنهم*من العذاب لكى تعلوا أماكنهم
زلوا وضلوا وإن الله ماحنهم*فالشك والشرك والشيطان فاتنهم
تحققوا عندما تخلى مساكنهم
من بعد ما أخبر الأقوام كاهنهم*بأن دينهم المعوج لم يقم
الله أظهره في سالف الحقب*لكل قرن إلى قوم ببعث نبي
أليس بهتانهم من أعجب العجب*وقد رأوا وصفه المشهور في الكتب
وأيقنوا أنه من أشرف العرب
وبعد ما عاينوا في الأفق من شهب *منقضة وفق ما في الأرض من صنم
الله رافع دين ليس ينجزم*بالفتح مفتتح بالنصر مختتم
بمن بمولده قد زالت الظلم*وليس يلقى إلى كهانهم كلم
ومارد الجن بالنيران ترتجم
حتى غدوا عن طريق الوحي منهزم*من الشياطين يقفو إثر منهزم
الله يرميهم من أيما جهة*رامو السماع لآيات منزهة
ببأسهم لشرار النار مشبهة*يلقيهم حرها في كل مكرهة
حتى يمزقهم في كل مهمهة
كأنهم هربا أبطال أبرهة*أو عسكر بالحصى من راحتيه رمى
الله خص يمينيه وعمهما*جودا وفضلا لمن والاهما كرما
ومن يحاربه يشرب منهما ألما*أليس يوم حنين قال حين رمى
شاهت وجوه العدى عم الجميع عمى
نبذا به بعد تسبيح ببطنهما*نبذ المسبح من أحشاء ملتقم
الله أتاه آيات مشاهدة*أضحت له بالهدى والوحى شاهدة
وأصبحت للعدى بالحق كامدة*لا يستطيع لها الواشي معاندة
وقال من قد رأى الآيات واردة
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة *تمشي إليه على ساق بلا قدم
الله أوحى إليه سورة اقتربت*والشمس ردت له من بعد ما غربت
والسحب لما رعا من غيثها سكبت*والوحش ناجاه والأشجار
والسحب لما رعا من غيثها سكبت*والوحش ناجاه والأشجار قد ذهبت
له تخط الثرى لما له طلبت
كأنما سطرت سطرا لما كتبت *فروعها من بديع الخط بالقلم
الله يعلم أن الخلق قاصرة*عن وصفه منذ والأملاك دائرة
من إصبعية عيون الماء فائرة*وهيبة الشهر أنى كان غائرة
منها الأعادي بعون الله نافرة
مثل الغمامة أنى سار سائرة*تقيه حر وطيس للهجير حمي
الله للخلق بالقرآن أرسله*أتى لكفر بدين الله بدله
وبالعلى والمزايا الغر كمله*وقد حبله من التفضيل أفضله
ونال من معظم التبجيل أجزله
أقسمت بالقمر المنشق أن له*من قلبه نسبة مبرورة القسم
الله أسبل سترا منه لم يضم*على رفيقين فاقا الخلق في همم
هذا الصدوق وذا الصديق من قدم*تالله أنهما كانا على قدم
لا خلف بينهما في الحكم والحكم
وما حوى الغار من خير ومن كرم*وكل طرف من الكفار عنه عمى
الله أعماهم عمن به ثويا*وللمهيمن رب العرش قد أويا
لما اقتفوا أثر من بالغار إختفيا*قالوا هما نزلا في الأرض أم عليا
بالله إنهما بالله قد لجيا
فالصدق في الغار والصديق لم يرما* وهم يقولون ما بالغار من أرم
الله فوقهما ستر الرضا سبلا*وأرسل الطير باضت حيثما نزلا
والعنكبوت بباب الغار قد غزلا*قالوا إلى هاهنا لا شك قد وصلا
لكن هنا أبدا ما هاهنا دخلا
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على *خير البرية لم تنسج ولم تحم
الله أنجاهما من غير راجفة*كما نجى المرتضى من شر طائفة
ببابه بسيوف الهند واقفة* طوبى لنفس الرضى ليست بخائفة
من عصبة بالهوى المذموم خائفة
وقاية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم
الله مولى تعالى أن يحاط به*هدى عمانا بنور يستضاء به
من رام نيل مناه عن مآربه*يحط أثقاله من حول مطنبه
وحق رب تعالى في تحجبه
ما سامني الدهر ضيما واستجرت به*إلا ونلت جوارا منه لم يضم
الله يهدي فؤادي في تردده*لباب ساداته في نيل مقصده
عسى يرى المصطفى في يوم موعده*هو الذي مهجتي من حسن مشهده
لا يشتفي داؤها إلا بمورده
ولا التمست غنى الدارين من يده*إلا استلمت الندى من خير مستلم
الله نوله نصرا وخوله*و بالشفاعة يوم الحشر منّ له
فحضرة القدس فيها الحق أنزله*كقاب قوسين والرحمن جمله
بتاج عز وبالإكرام كمله
لا تنكر الوحي من رؤياه إن له*قلبا إذا نامت العينان لم ينم
الله عاصمه من قبل نبوته*فلا يميل إلى لهو بشهوته
وكان قوم قريش في فتوته*يستعجبون وفي زاكي مروءته
مستيقظ القلب للمولى بنيته
وذاك حين بلوغ من نبوته*فليس ينكر فيه حال محتلم
الله خص رسول الله منه بالقرب*والعلم والحلم والإنصاف والأدب
بصدق وحي أتى للعجم والعرب*وعلم غيب من الباري بلا ريب
فقيل مكتسب بالكهن والكذب
تبارك الله ما وحي بمكتسب *ولا نبي على غيب بمتهم
الله آتاه ما تتلى فصاحته*بكل فضل له فاقت رجاحته
أقسمت بالله لا تحصى سماحته*كم فرجت كربا عنا صباحته
كم أسبغت نعما فينا سماحته
كم أبرأت وصبا باللمس راحته *وأطلقت أربا من ربقة اللمم
الله صفاه فالمختار صفوته*لا يظهر الحزن إن عمته بلوته
ولا تميل إلى الكونين شهوته*وحضرة القدس فيها تم جلوته
وليس إلا لمولى العرش همته
وأحيت السنة الشهباء دعوته*حتى حكت غرة في الأعصر الدهم
الله أحيا محياها لراغبها*وأرسل الوبل غيثا في سواكبها
سحت على الكون سحب من سحائبها*فجاد زرع وضرع صوب صائبها
وخصب الأرض حقا في أجادبها
بعارض جاد أو خلت البطاح بها*سيبا من اليم أو سيلا من العرم
الله آتاه آيات قد اشتهرت*في يوم مولده منها الورى انبهرت
جنات عدن مع الكونين قد زهرت*والشهب للجن بالإحراق كم قهرت
والأرض من رجسها لما أتى طهرت
دعني ووصفي آيات له ظهرت*ظهور نار القرى ليلا على علم
الله حسب الذي بالله يعتصم*وللمديح لخير الرسل يلتزم
وهو الذي مدحه تعلو به الهمم*وقاله الرسل والأملاك والأمم
وكلما زاد زاد الجود والكرم
فالدر يزداد حسنا وهو منتظم*وليس ينقص قدرا غير منتظم
الله أعطاه في الدارين ما سألا *وزاده رفعة لما إليه علا
فهو الذي عطل الأديان والمللا *وقام لله حتى أوضح السبلا
هو الذي مدحه في الذكر قد نزلا
فما تطاول أمال المديح إلى ما فيه من كرم الأخلاق والشيم
الله في علمه أشيا مؤبدة*تجري إلى الخلق لكن هي مؤجلة
كذاك آياته بالحق محكمة*وبالهدى والتقى والخير معلمة
وبالمديح لخير الرسل معلنة
آيات حق من الرحمن محدثة*قديمة صفة الموصوف بالقدم
الله أنزلها بالحق تنذرنا *وعن طريق الهوى والغي تزجرنا
وإن أتانا عدو فهي تنصرنا*وبالهدى والتقى والزهد تأمرنا
على لسان نبي جا يبشرنا
لم تقترن بزمان وهي تخبرنا*عن المعاد وعن عاد وعن إرم
الله حافظها من كل مغمزة*يعيش قارئها في ألف معززة
أعظم بآي من النيران محرزة*على الصراط لتاليها مجوزة
لم يلق كيدا ولا يرمى بمكيدة
دامت لدينا ففاقت كل معجزة* من النبيين إذ جاءت ولم تدم
الله أبرزها من علم غيهبه*لها ضياء يراه كل منتبه
يا سعد من كان يدعو في تطلبه*بها إلى الله في مأمول مطلبه
لأنها قد أزالت كل مشتبه
محكمات فما تبقين من شبه* لذي شقاق وما تبغين من حكم
الله أظهرها للعجم والعرب*كالشمس نورا وكالأقمار والشهب
منها اكتسبنا علوم الدين والأدب*ثم اغترفنا الذي نرجوه من طلب
وحقها قسما ما فهت بالكذب
ما حوربت قط إلا عاد من حرب*أعدى الأعادي إليها ملقي السلم
الله أمطرنا من وبل عارضها*علما وحلما وتطهيرا بفائضها
فما رأينا الهدى إلا بوامضها*فقل لمن قد تغالى في تناقضها
يصغي إلى سرها الخافي وغامضها
ردت بلاغتها دعوى معارضها*رد الغيور يد الجاني عن الحرم
الله نزلها بالخير والرشد*على تقي نقي خير معتمد
فبان منها الهدى في كل معتقد*وباء بالسقم شانيها وبالرمد
آيات صدق تنجي كل مرتشد
لها معان كموج البحر في مدد*وفوق جوهره في الحسن والقسم
الله قدر أن تعلو كواكبها*للمؤمنين وأن تجلو سحائبها
كأنها جنة تجري سواكبها*للمتقين ويأتيهم أطايبها
نعم وتجلى لهم فيها كواعبها
فما تعد ولا تحصى عجائبها*ولاتسام على الإكثار بالسأم
الله من فضله القرآن أنزله*إلى نبي لكل الفضل أهله
يا سعد من في ظلام الليل رتله*فيها مواعظ تاليها يحق له
جنات عدن إذا ما الدمع أسباه
قرت بها عين قاريها فقلت له*لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
الله يحفظ من ألفاظها حفظا*وفاه بالذكر أو بها لفظا
راقت ورقت علاها من بها لفظا*آي عظام بها الرحمن قد وعظا
قد قر قاريها عينا بما لفظا
إن تتلها خيفة من حر نار لظى*أطفئت حر لظى من وردها الشبم
الله حسب عبيد في تحسبه *يرجو النجاة بها من سؤ مكسبه
ومن رآها مناه في تشببه*تراه نورا يرى في ورد مشربه
وتكسه حلة من كنز مطلبه
كأنها الحوض تبيض الوجوه به*من العصاة وقد جاءوه كالحمم
الله بالحق أوحاها مرتلة*مفصلات وللأحكام مفصلة
فلم تزل لأعادى الله مجزلة*أضحت بها أوجه الخيرات مقبلة
كأنها العقل بل تعلوه منزلة
وكالصراط وكالميزان معدلة *فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
الله لا شك للإيمان يدخرها*كما خباها لمن بالحق ينصرها
على عدو أتى بالجهل يدحرها*يفوز من في ظلام الليل يذكرها
سرا وإن زاد منه الوجد يجهرها
لا تحسبن لحسود راح ينكرها* تجاهلا وهو عين الحاذق الفهم
الله أظهرها كالشمس في الأسد*فلا تغيب بلا غيم على أحد
من سار في نورها يجلوه بالرشد*وزل من ضلها بالسقم والكمد
لاتركنن إلى من فاه بالحسد
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد*وينكر الفم طعم الماء من سقم
الله برأ مما قيل ساحته*وفالق الصبح قد أزهى صباحته
فجملة الخلق مما وافوا رجاحته*يا خير من للورى يبدي سماحته
أتى الفقير يرجي منك راحته
يا خير من يمم العافون ساحته*سعيا وفوق متون الأينق الرسم
الله ينجي لجسمي من لظى سقر*ويحفظ القلب من ريب ومن كدر
بجاه خير الورى المبعوث من مضر*ومن يرجى لمن يخشاه من ضرر
ومن يشفع يوم الكرب والضرر
ومن هو الآية الكبرى لمعتبر *ومن هو النعمة العظمى لمغتنم
الله خصك بالإكرام والكرم*كما تخصصت بالأحكام والحكم
وسرت بالملإ الأعلى على قدم*مع النبيين في الإسراء والحشم
قبل الدنو من الموصوف بالقدم