من قصيدة: مولد الرسول
مـا شِمتُ برقَ سنًا مــــــــن أفق «ذي سَلَمِ»** إلا أسلـتُ دمـوعَ العـيـن كـالـدّيـــــــمِ
ومـا سـرى بـيَ مـن «سلعٍ» نسـيـمُ صَبـــــا** إلا أثـار الجـوى فـي جـيرةِ العـلــــــم
كـم لـيلةٍ بتّ أرعى سـرحَ أنجـمهـــــــــا** أطـوي الأضـالعَ مـن وجـدٍ عـلى ألـــــــم
حـيرانَ يحـرقنـي وجـدي، وتُغرقنـــــــــي **عـيـنـي بـدمعٍ كهـامـي الـوَدْق مُرتكـــــم
أستقبـلُ الرّيحَ إذ تسـري أُسـائلهــــــــا** هل عـندكـم خبرٌ مـن تِلْكـــــــــم الخِيَم؟
فهـيّجتـنـيَ أشـواقـــــــــــــي إلى مِدَحٍ** تُنهى إلى مـن إلـيـه مُنــــــــتهى الكرم
محـمدٌ تـاجُ هـذا الكـون جـوهــــــــــرةٌ** جلّت - ولـو قُوبـلـت بـالخَلْق عــــن قِيَم
حـلـوُ السّجـيّةِ مـيـمـونُ النّقــــــيبةِ لا** تُخشى بـوادرُه بـالــــــــــــبَطْش والنِقَم
كأّنمـا سـرّه روحُ العـوالــــــــــــم مُذْ** فـيـهـا سـرى سـريـانَ النّورِ فـي الظُّلـــمَ
أقضى العبـادِ لـحق الله أعـرفُهـــــــــم** بـه، وأرسخُهـم فـي العـلـمِ والـــــــحِكَم
جلّت عـن الـوصـف أوصــــــــــافٌ له عَظُمتْ **عـن أن يُبـيّنهـا ذو القـولِ والقـلــــــم
حـاز الكَمـالاتِ طُرًا غـيرَ مشـتـــــــــركٍ** فـيـهـا، وشُمّ الـمعـالـي غـيرَ مزدحـــــم
وخلَّص الفكرَ ممـا قـد أصرَّ عــــــــــــلى** تعـظيـمه دونَ ربِّ النّاس مــــن صنم
والشّرعَ شـرَّفه، والشـرك هـــــــــــــوّنه** بـمشـرفـيٍّ عـلى الأرواح مُحتكـــــــــــم
دعـا إلى الله مـن لـم تأتهــــــــم نُذُرٌ** بكلّ مـوعـظةٍ حسنـاءَ والــــــــــــــحِكَم
أبـانَ مـولـدُه عـن سعـدِ طـــــــــــالعه** مُذ ذرّ كـوكَبُه مـــــــــــــن ضِئضِئ الكرم
مـا زال مذ ولـدته الأمّ متّصـــــــــــفًا** بـالـيُمـن يُدعى أمـيـنًا غـير متَّهـــــــم
وزادهُ يـتـمه بـيـن الـورى شـــــــــرفًا** كـمـا يـزيـد غلاء الـدّر بـالـيُتـــــــم
بشـرى لإبنةِ وهـبٍ أنّهـا وُهــــــــــــبتْ** دونَ العـوالـم كـنزًا غالـيَ القـيـــــــم
يـا فخرَهـا حـمـلـتْ مَن قطُّ مـا حـمـلــــتْ** بنـاتُ حـوّاءَ مـن يحكـيـه فـي الشّيــــــم
خرّتْ لهـيبته الأوثـانُ وانهـمـلـــــــــتْ** عـيـونُ عـابـدِهـا بـــــــــالأدمع السُّجُم
والفُرْس إذ عـايـنـوا الإيـــــوان مُرتجِسًا** تفرَّسـوا بـاستلاب الـمُلك والنِّعـــــــــم
وأوجَسـوا الخـوفَ والنِّيرانُ خـــــــــامدةٌ** وأيـقنَوا قُربَ يـومِ الـوَيل والنِّقــــــــم
وراعهـم بـغتةً غورُ الـبحــــــــــيرة إِذ** لـم يُلفَ مـنهـا ولـو مِقْدار مـــــــلءِ فَم
يـا يـومَ مـولـدِ خـيرِ الخلق كـم ظهــــرتْ*** بـه خـوارقُ مـن مَعـنًى ومـــــــــــن كَلِم
أَعْظِم بخَلقِ نـبـيٍّ لــــــــــــم يَدَعْ أثرًا** للـبحـر مـن كرمٍ والـدّهـرِ مــــــــن هِمَم
هـو الـحكـيـمُ الـذي لقـمـانُ يغرقُ فــــي** قُطـيرةٍ مـن بحـارٍ فـيـهِ مــــــــــن حِكَم
وخـاتـمُ الرّسل خـيرُ الخلق أفضلُ مـــــــن** مشى عـلى مَتـن هـذي الأرضِ بـــالقَدم
بـدا فقـيرًا فأغنـاه الإلهُ كـمـــــــــا** آوى، وأدّبـه بـالعـلـم فـي الـيُتـــــــم
ولـم يَزلْ نـورُه الـمعـروف مـنقـلــــــبًا** فـي السُّجَّد الغُرِّ مـن آبـــــــــائه القِدَم
أهلَّ تعـرفُ بـالسِّيـمـا سـيـــــــــــادتَه** وتـمَّ كـالـبـدر مطبـوعًا عـــــــلى الكرم
هـو الـحـبـيبُ الـذي يرجــــــــوه مُختبطٌ** أضـاقَ ذاتَ يـديـه ضغطةُ العــــــــــــدم
سمحُ الـيـديـن عـلى العَلاّت، جـــــاد كأنْ** فـي كفّه كـيـمـيـاءُ الجــــــــودِ والكرم
كلـتـا يـديـه غـيـاثٌ تُغنـيـان لهــــــم** عـن نـائل الأجـوديـن: الـبحـر والـدّيــم
والسُّحـبُ إن أمطرتْ غـــــــــــيثًا فراحتُهُ** فـي الـمَحْل ممطرةُ الآلاءِ والنِّعـــــــــم
والـبحـرُ إن أخرجـوا مـن قعــــــره دررًا*** فقـلـبُه مخرجُ الأحكـامِ والـــــــــــحِكَم
يـا خـيرَ مـن أمّه فـي الـمَحْل ذو أمـــــلٍ*** أوهى عُرا العـيشِ مــــــــــنه غصّةُ الإِزَم
وإن أتـاك مُســــــــــــيءُ النّاس معتذرًا** هـززتَ للعفـو عِطْفَي غـيرِ مُنـتقــــــــــم
تلقـاه هشّاً بــــــــــــــوجهٍ زاد رونقَه*** بِشْرٌ وعـن مـثل سِمْطِ الـــدُّر مُبتسم
لا يـنقصُ الغـيظُ حسنًا مـن أســـــــــرَّته** والغـيظُ مـا كـان يُبقـي بـهجةَ الـوجــــم
لـم يُضمـرِ الغدرَ قـلـبٌ مـنه رقّ ولــــــم** يـطـوِ الضلـوعَ عـــــــــــلى غِلٍّ ولا أضم
وثقْ بنـائله مهـمــــــــــــــا تبسّمَ لا** كخُلّب الـبَرق قـد يـخلـو عـن الـدّيــــــم
أغرُّ أبـيضُ يُستسقى بـدعـــــــــــــــوته** ويُستزالُ بـلاءُ القحط فـــــــــــي القُحَم
بـالـمؤمـنـيـن رؤوفٌ خـافضٌ لهــــــــــمُ** مـنه جنـاحـيـن مـن حِلـمٍ ومــــــــن كَرم
يفتـرُّ عـــــــــــــــن دُررٍ فُوه، ونكهتُه** أشهى مـن العَنـبر الـورديِّ فـي الشّمم
أَعْظِمْ بـه وهـو فردٌ لا تُفــــــــــــارقه** مهـابةُ الـمَلك الـمَحفـوف بـالــــــــحَشَم
حـاز الـمحـاسنَ حتى إنّ يـوسفَ لـــــــــو** يأتـي يـواسمُه فـي الـحُسْن لــــــــم يَسِم
يـا سـيّدًا سبّحت فـي راحتـيـــــــــه حَصًى** تسبـيحَ ذي النّون يـدعو الله فـي الظُّلم
وكـم شَفَت سَقَمًا بـالــــــــــــمسح راحتُه** فلـم يَرَوا بعـده للـدّاء مـن ألـــــــــم
أطـاعه الغـيـمُ حتى إنّ دعــــــــــــوتَه** أحـيـا بـهـا الأرضَ مُحـيـي الأعـظُم الرقُم
جـاءت لـدعـوته الأشجـارُ نـاكـــــــــسةً** رؤوسَهـا عـادةَ الـمِطْواع مــــــــــن خَدَم
وأشبعَ الجـيشَ بـالـتّمـر القـلـيلِ وقــــد** أتَوه يشكـون فرطَ الجـوعِ والنّهــــــــــم
والكِتفُ كلّمه بــــــــــــــــالسّمّ يُخبرُهُ** فـيَا له مـن كَلامٍ لـم يكـــــــــــن بِفَم
بردة الشاعر إبراهيم عباس ( 1328 - 1369 هـ)
ظبـيٌ بـدا لـيَ فـــــــــــــي دَلٍّ ومُبتسمِ*** أصـمـى الفؤادَ ولـم تُجـدِ له هِممــــــــي
بـالخدّ وردٌ وإن فـاحت أطــــــــــــايبُه** مـن حـالك الفَرْعِ، أمّا الثغرُ كــــــالعَنَم
لـمـا تـيـقّنـتُ أن الجـرح يـقتلنـــــــي*** وأعـظـمُ الـداءِ مـن جفـنٍ أخـي سقـــــــم
فتّشـتُ عـنهـا، إذا بـالظبـي جـيرتُنـــــا*** سـوّى السبـيلَ إلـيـه أنه رَحِمـــــــــــي
كـمِ الـتقـيـنـا وكـم رفّتْ مـجـالسُنـــــا** حتى تَعثّرَ بـالـبـوح الـمـثـيرِ فـمــــــي
قـالـت أحـبُّكَ، أيُّ الـحـبِّ مـن كبــــــــدٍ** أسمـى مـن النجـم لا يــــــــــنحطّ لِلَّمم
والنفسُ ضعفٌ وبـوحُ الـحـبِّ مــــــــن وهَنَي** أخشى الـتـمـاديَ فـاعذُرْنـــــــي ولا تلُم
وَدّعْ! وخِلـتُ مِزاحـاً مـا تُهدّدنـــــــــــي** بـالجـدّ قـالـت، ولـم يشفعْ لنـا ألـمـــي
أبكـي وأبعث أرجـوهـا للقـيـتـنــــــــا **رَدّتْ رسـولـي بـهـيـهـاتٍ لنـــــــــا ولَم
حـوراءُ، لـو دام فـي الأيـام رؤيـــــتهُا** مـا استشعـرَ القـلـبُ إلا النـورَ فـي الظُّلَم
غاض العزاءُ سـوى قــــــــــــــولٍ أردّده** فـي بُهْمة اللـيلِ لا يـخبـو مـــــن السأم
رعـاكِ ربّي فـنـامـي غـيرَ حــــــــــافلةٍ** سهدَ الـمعـنّى، فحـادي النجـمِ لـم يــــنم
إن الـذي بـيـدٍ أحـيـيـتِه زمـنـــــــــاً** تجـري يـداكِ عـلـيـه الـيـومَ بـالقــــدم
يـا عـائديَّ سـوى عذلـي أدلُّكـمــــــــــا** أن تُخلصـا القـولَ فـي بُرئـي مـن السقـــم
قُومـا ارجُوا اللهَ أن يشفـي غلـيلَكـمــــا** واللهُ مـن دعـوة الـداعـي عـــــــلى أَمم
واستشفعـا برسـول اللهِ سـيِّدنـــــــــــا** ذاك الجـوادُ وبحــــــــــرُ الفضلِ والكرم
إن الـبـلاغة مـا بـالغتُ كـيف بـهــــــا** إلى محـلّته مـن بــــــــــــــارئ النَّسَم
إن قـلـتُ نجـمٌ ففـوق النجـمِ مـــــــوطئُه** أو قـلـتُ شمسٌ فإن العِيَّ فـي كَلِمـــــــــي
لكـنْ يُشجّعـنـي فـيـه تـــــــــــــواضعُه** إذ يسمع الـمدحَ مـن «كعبٍ» عـــــــلى أَمَم
حتى يُؤمّنَ نفسـاً مـنه مُهــــــــــــــرِقةً** فعـلَ الكريـمِ إذا مـا اشـتطَّ فــــي الكرم
قـال انصتـوا! وبـهـا قـــــــد سنَّ تكرمةً** للشعـر، أكرمْ بـه مـن صــــــــــادقٍ حَكَم
والـمدحُ مدحُ رسـولِ اللهِ جُنَّتـنــــــــــا** يــــــــــــومَ الندامةِ إذ لا نفعَ للن
دعْ عـنك «سـاوةَ» والإيـوانَ مُنصدعـــــــاً** والنـارَ تُخمد فـي شَقٍّ مـن الأكــــــــــم
والنخلَ يسعى كفعـل الريــــــــمِ إذ خطرتْ **يَثنـي مُنـيفـاً مـــــــــن الأعذاق للقَدم
وُبْرءَ داءٍ وصعقَ النـاكريـــــــــــــن له** ونـبعَ كفِّه مـاءَ الطهـرِ كـالــــــــــدِّيَم
هـذي لأحـمدَ لا تُدعى بــــــــــــــمعجزةٍ** بـمـثل هـذي تجـيء الرسلُ مـــــــــن قِدم
هـذي ظلالٌ إذا قِيستْ بـمـــــــــا انفردتْ** بـه رسـالـتهُ مـن سـاطع الـــــــــــحِكَم
وحـبُّ أحـمدَ بـالقــــــــــــــرآن معجزةٌ** تبـلى القـرونُ ومـا يـنفكّ كـالعـلــــــم
اللهُ أنزلَه، واللهُ حـافـــــــــــــــظهُ** واللهُ جـاعـلُه الـمـيـزانَ للقِيـــــــــمَ